‏آخر المستجداتمال وأعمال

الدرهم المغربي يواصل صموده أمام الدولار والأورو وسط توازن مالي دقيق

(كش بريس/التحرير)ـ في قراءة اقتصادية تحليلية لآخر نشرات بنك المغرب للفترة الممتدة من 23 إلى 29 أكتوبر 2025، يبرز أن المشهد المالي الوطني يواصل استقراره النسبي في ظل تحولات اقتصادية عالمية متقلبة، إذ سجل الدرهم المغربي ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0,3 في المائة مقابل الدولار الأمريكي، وتراجعًا محدودًا بـ 0,2 في المائة أمام الأورو، ما يعكس استمرار مرونة سعر الصرف وتوازن التدخلات النقدية في مواجهة تذبذبات الأسواق الدولية.

ورغم هذا التباين الطفيف في قيمة العملة الوطنية، فإن الاحتياطات الرسمية من النقد الأجنبي واصلت منحاها الإيجابي، لتبلغ 429,2 مليار درهم في 24 أكتوبر، بزيادة 18,5 في المائة على أساس سنوي، وهو ما يُعزز موقع المغرب ضمن الاقتصادات الناشئة القادرة على تأمين حاجياتها من الواردات وتمويل التزاماتها الخارجية بأريحية نسبية. هذا الاستقرار النقدي يعكس، في عمقه، نجاح سياسة التعويم المرن التي ينتهجها بنك المغرب، القائمة على التدخل الانتقائي عند الحاجة، دون الإخلال بحرية العرض والطلب في سوق الصرف.

في المقابل، يوضح التقرير أن البنك المركزي لم يُجرِ أي عملية مناقصة خلال هذه الفترة، ما يشير إلى توازن الطلب على العملات الأجنبية واستقرار السوق. أما على مستوى السيولة البنكية، فقد بلغ متوسط إجمالي تدخلات بنك المغرب نحو 147,5 مليار درهم يوميًا، موزعة بين تسبيقات قصيرة الأجل (72,6 مليار درهم)، وعمليات إعادة شراء طويلة الأجل (42,1 مليار درهم)، إلى جانب قروض مضمونة (32,9 مليار درهم). هذه الأرقام تعكس توجّهًا واضحًا نحو دعم السيولة الهيكلية في النظام البنكي، بما يضمن استمرارية تمويل الاقتصاد الحقيقي وتفادي أي تشنج في السوق النقدية.

أما في السوق بين-البنكية، فقد استقر سعر الفائدة عند 2,25 في المائة، وهو ما يترجم نجاح البنك المركزي في الحفاظ على استقرار الكلفة التمويلية بين المؤسسات البنكية، مع حجم تداول يومي بلغ 3,2 مليارات درهم، في إشارة إلى سيولة مريحة ومرونة في تدبير العمليات اليومية.

وفي سياق السياسة النقدية الوقائية، ضخّ بنك المغرب، خلال عملية المناقصة ليوم 29 أكتوبر (بتاريخ استحقاق 30 أكتوبر)، ما قيمته 66,5 مليار درهم على شكل تسبيقات لأجل سبعة أيام، استمرارًا لنهجه في ضمان توازن السوق وتدبير العرض النقدي بكفاءة.

من جهة أخرى، شهدت سوق البورصة أداءً إيجابيًا طفيفًا، إذ ارتفع مؤشر “مازي” بنسبة 0,3 في المائة خلال الأسبوع المذكور، ليصل أداؤه السنوي إلى 32 في المائة، وهو معدل يعكس انتعاشًا نسبيًا في ثقة المستثمرين، خصوصًا في قطاعات العقار (5,9%)، والصحة (5,6%)، والنقل والخدمات (1,3%)، مقابل تراجع قطاعات تقليدية مثل المناجم (-1,6%) والكهرباء (-2%)، ما يعكس تحوّلًا تدريجيًا في خريطة الاستثمار نحو الأنشطة ذات الطابع الخدماتي والاجتماعي.

وعند النظر إلى حجم المبادلات الأسبوعي البالغ 2,1 مليار درهم، نلحظ استقرارًا في التداولات بالسوق المركزية للأسهم، مما يدل على سلوك استثماري متزن ومناخ مالي يسوده الحذر البنّاء، خصوصًا مع اقتراب نهاية السنة المالية وبدء تقييم المحافظ الاستثمارية.

عموما، إن هذا التقرير يظهر أن الاقتصاد المغربي يسير في مسار توازن نقدي ومالي دقيق، رغم هشاشة المحيط الإقليمي وتأثيرات الاقتصاد العالمي. فاستقرار الدرهم وارتفاع الاحتياطات وتحسن أداء البورصة كلها مؤشرات على انضباط السياسة النقدية ونجاعة التدبير المالي، غير أن التحدي الأكبر يظل في تحفيز النمو الحقيقي عبر توجيه السيولة نحو القطاعات الإنتاجية بدل الركون إلى الأدوات المالية وحدها.

إن المرحلة القادمة، وفق هذا الإيقاع، تتطلب تناغمًا أكبر بين السياسة النقدية والسياسة الميزانياتية، مع تعزيز الاستثمار العمومي والخاص في مجالات الطاقة والرقمنة والصناعة الخضراء، لتتحول المؤشرات المالية الإيجابية إلى مكاسب اقتصادية واجتماعية ملموسة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button