
(كش بريس/التحرير)ـ يشكل الإعلان عن نتائج جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الحادية عشرة لحظة رمزية في مسار الأدب العربي الحديث، ليس فقط لكونها تكرّس تقاليد الاعتراف بالإبداع السردي، بل لأنها تعيد طرح أسئلة الهوية الأدبية، والعدالة الثقافية، وموقع الرواية العربية في خريطة الأدب الكوني.
ففوز الناقد المغربي عبد الرزاق المصباحي عن دراسته “الرد بالرواية: دراسة في استراتيجيات السرد الثقافي”، إلى جانب الروائية نعيمة فنو عن عملها “أجنحة من خشب”، لا يُعدّ حدثاً فردياً، بل يعكس نضج التجربة المغربية في الحقل السردي والنقدي، وقدرتها على المزاوجة بين الحس الجمالي والوعي الثقافي بالتحولات العميقة التي يعيشها النص العربي المعاصر.
إن جائزة كتارا، في بعدها المؤسساتي، تمثل اليوم أحد أهم المختبرات العربية لتقعيد الرواية بوصفها خطاباً ثقافياً لا مجرد جنس أدبي. فخلف الأرقام التي أوردها مدير عام المؤسسة ـ أكثر من 17 ألف مشارك و183 متوجاً في 11 دورة ـ يختفي سؤال أكثر عمقاً: إلى أي حد تسهم الجوائز الأدبية في بناء حركة نقدية رصينة تُعيد للرواية العربية وظيفتها المعرفية والتنويرية؟
فالمفارقة أن ازدهار الجوائز لا يقابله دوماً ازدهار في جودة النصوص، بل أحياناً يتغذى المشهد من آليات الاعتراف أكثر من جوهر الإبداع، وهو ما يجعل من تتويج المصباحي وفنو علامة فارقة، لأن أعمالهما تستند إلى رهان فكري وجمالي متماسك، يتجاوز منطق الجوائز إلى أفق الأسئلة الكبرى التي تؤرق الوعي العربي.
فدراسة المصباحي، في عمقها النظري، تكشف كيف تتحول الرواية إلى أداة للرد الثقافي ومجال لإعادة إنتاج الخطاب والسلطة والمعنى، في مواجهة مركزيات السرد الغربي، وهو ما يمنح البحث بعداً معرفياً يؤسس لمفهوم “السرد الثقافي” بوصفه فعلاً نقدياً مقاوماً. أما رواية نعيمة فنو “أجنحة من خشب”، فهي تجسد انبعاث الصوت الأنثوي الجديد في الكتابة الروائية العربية، حيث تتلاقى الحكاية الإنسانية مع البعد الرمزي في طرح أسئلة الهوية والحرية والطفولة، مما يجعلها رواية فتيان في ظاهرها، وتمريناً على الوعي والكرامة في باطنها.
ومن جهة أخرى، يعكس مشروع “الرواية تجمعنا” الذي أُعلن عنه ضمن فعاليات الجائزة، محاولة واعية لتحويل الرواية إلى فضاء للتشارك الثقافي العابر للحدود، فيما يفتح مشروع “الرواية والذكاء الاصطناعي” أفقاً جديداً للنقاش حول مستقبل الإبداع في زمن التقنية، وحول قدرة الخيال البشري على الصمود أمام الآلة.
في المحصلة، تبرز جائزة كتارا كأحد المرايا التي تعكس التحولات الجمالية والمعرفية للرواية العربية، لكنها أيضاً تطرح سؤالاً مقلقاً: هل يكفي الاحتفاء بالرواية لتثبيت مكانتها في الثقافة العربية، أم أن المطلوب هو تأسيس بيئة نقدية ومؤسساتية تضمن ديمومة الإبداع خارج منطق الجوائز؟
إن تتويج المبدعين المغاربة في هذه الدورة ليس انتصاراً جغرافياً، بل إشارة إلى نضج الكتابة العربية حين تتحرر من القطرية وتستعيد وظيفتها الكونية في إنتاج المعنى ومساءلة الواقع.