
(كش بريس/التحرير)ـ كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن أرقام مقلقة تعكس البنية الراهنة للساكنة السجنية بالمغرب، إذ بلغ عدد السجناء إلى غاية 31 أكتوبر الماضي 98 ألفًا و602 نزيل، يتصدرهم المدانون في جرائم المخدرات وجرائم الأموال، في مؤشر واضح على التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي هذه الظواهر.
وفق المعطيات المرافقة للميزانية الفرعية للقطاع، توزعت الجرائم بين 27.162 مدانًا في قضايا الاتجار واستهلاك المخدرات، و26.854 في جرائم الاعتداء على الأموال، و15.803 في جرائم الاعتداء على الأشخاص. ويكشف هذا التوزيع عن أولوية الطابع الاقتصادي والاجتماعي للجريمة بالمغرب، حيث تحتل المخدرات والاعتداءات المالية موقعًا مركزيًا في المشهد الجنائي الوطني.
الأكثر دلالة هو أن ثلاثة أرباع السجناء من فئة الشباب (ما بين 18 و40 سنة)، أي حوالي 72.691 شخصًا، ما يضع هذه الفئة في قلب الإشكاليات الاجتماعية المرتبطة بالبطالة، والهشاشة، وضعف سياسات الإدماج. أما الفئة دون 18 سنة فتمثل 1.21% فقط، فيما تصل نسبة السجناء فوق الستين إلى 2.3%، وهو ما يعكس أيضًا فتوة الجريمة المغربية وارتباطها بالأعمار النشطة اقتصاديًا.
من حيث العقوبات، تظهر الأرقام أن أكثر من ثلث السجناء (36.7%) يقضون عقوبات تتراوح بين 5 و10 سنوات، و24.7% بين سنتين و5 سنوات، ما يعني أن أغلب الجرائم من درجة متوسطة إلى خطيرة. في المقابل، بلغ عدد المعتقلين الاحتياطيين الذين لم يصدر في حقهم بعد أي حكم 10.981 سجينًا، أي 11.48% من مجموع الساكنة، ما يعيد إلى الواجهة الجدل القانوني حول طول مدة الاعتقال الاحتياطي ومدى اتساقها مع ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في الدستور وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
أما الأحكام الأشد قسوة، فتشمل 498 محكومًا بالمؤبد (0.52%) و61 محكومًا بالإعدام (0.06%)، وهي نسب محدودة تعكس الطابع الاستثنائي للعقوبات القصوى في السياسة الجنائية المغربية.
تدل هذه المعطيات على أن السجن في المغرب بات مرآة لتوترات اجتماعية واقتصادية عميقة، إذ تتقاطع فيه قضايا الفقر، والهشاشة، وتعاطي المخدرات، مع ضعف آليات الوقاية الاجتماعية والتربية القانونية. فالفئة الشبابية المهيمنة على الساكنة السجنية ليست مجرد رقم، بل نتاج سياسات تنموية غير متوازنة، وسوق عمل محدود الأفق، وفراغ ثقافي وتربوي يجعل السجن أحيانًا امتدادًا للهامش الاجتماعي أكثر مما هو مؤسسة للإصلاح.
قانونيًا، تثير الأرقام المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي تساؤلات حول فعالية السياسة الجنائية ومدى توازنها بين متطلبات الردع وضمانات الحرية الفردية. كما أن ارتفاع عدد المدانين في جرائم المخدرات يعيد النقاش حول الخيارات التشريعية في تجريم الاستهلاك والتداول، ومدى الحاجة إلى مقاربات بديلة تعتمد على العلاج وإعادة التأهيل بدل العقاب فقط.
إن التحدي الحقيقي لا يكمن في أرقام الساكنة السجنية، بل في قدرة الدولة والمجتمع على تحويل العقوبة إلى فرصة للإصلاح والعودة إلى الحياة، ضمن رؤية تنموية تدمج البعد الاجتماعي بالقانوني، وتتعامل مع السجين كمواطن مؤقت فقد حريته، لا كإنسان فقد قيمته.





