‏آخر المستجداتالمجتمع

فيدرالية اليسار: مشروع القانون الانتخابي تكريس للنكوص السياسي وتدوير للفساد

(كش بريس/التحرير)ـ في موقف يعكس تصاعد حدة التوتر بين الحكومة والمعارضة اليسارية، عبّر المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار عن رفضه القاطع للمقتضيات “النكوصية” التي تضمنها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، معتبراً أنه يكرّس مناخ الخوف ويقوّض حق المواطنين في فضح الفساد الانتخابي، ويغيب عنه أي أفق لإصلاح سياسي حقيقي.

وفي بلاغ شديد النبرة، نبه الحزب إلى أن المشروع يعكس غياب إرادة سياسية للقطع مع ممارسات الإفساد الانتخابي التي طبعت الاستحقاقات السابقة، مبرزاً أن ضعف الآليات القانونية المقترحة يفتح الباب مجدداً أمام التشكيك في نزاهة ومصداقية العملية الانتخابية برمتها.

إصلاحات شكلية في غياب رؤية ديمقراطية

يرى الحزب أن “حجر الزاوية لأي انتقال ديمقراطي حقيقي” يبدأ من تخليق الحياة السياسية وإعادة الثقة في المؤسسات، غير أن مضامين المشروع الجديد – بحسبه – “تتجه في الاتجاه المعاكس”، إذ لا تتضمن إصلاحات جريئة قادرة على مواجهة منظومة الفساد السياسي والانتخابي التي تستنزف الحياة الديمقراطية.

ويعتبر أن منع بعض الوجوه المألوفة من الترشح لا يعدو أن يكون محاولة لتدوير نفس النخب المتورطة في الفساد الانتخابي بدل محاسبتها، فيما تبقى الوعود المتعلقة بالدعم المالي للشباب “حبراً على ورق” ما لم تُقرن بإجراءات حقيقية لمحاربة المال الانتخابي وشراء الذمم.

“ترهيب سياسي” تحت غطاء القانون

وحذّر الحزب من المقتضيات التي وصفها بـ“النكوصية” والتي تهدف إلى تجريم فضح الفساد الانتخابي، معتبراً أنها عودة مقنّعة إلى منطق “قانون كل ما من شأنه” الذي ارتبط بسنوات القمع السياسي، ووسيلة جديدة لإسكات الأصوات الحرة والمواطنة النقدية.

ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس تخوفات عميقة لدى المعارضة اليسارية من تحوّل القوانين التنظيمية إلى أدوات للضبط بدل أن تكون ضمانات للمشاركة السياسية والنزاهة الانتخابية.

قانون مالية 2026.. استمرار للنهج النيوليبرالي

وفي قراءة اقتصادية متصلة، انتقدت فيدرالية اليسار مشروع قانون المالية لسنة 2026، معتبرة أنه يواصل “نفس النهج النيوليبرالي” الذي يغيب عنه أي تحول في فلسفة تدبير المالية العمومية.

وأكدت أن المشروع يعمق اللامساواة الاجتماعية من خلال توسيع الخوصصة، وفرض ضرائب مجحفة على الطبقات الوسطى والفقيرة، مقابل استمرار الإعفاءات والمزايا الممنوحة لكبريات الشركات، ما يؤدي إلى رهن مستقبل الأجيال القادمة بالمديونية والتقشف.

التعليم والحقوق.. وجهان لأزمة واحدة

واعتبر الحزب أن مشروعي قانون التعليم المدرسي والتعليم العالي يعكسان بدورهما نزعة سلطوية تهدف إلى ضبط الفضاءين المدرسي والجامعي، وتؤسس لتخلي الدولة التدريجي عن مجانية التعليم.

وفي السياق ذاته، شدد الحزب على أن أي إصلاح تربوي لا يمكن أن ينجح في ظل تراجع الحريات العامة واستمرار الاعتقالات، داعياً إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين على خلفية احتجاجات “جيل زد”، الذين “مكانهم الطبيعي مقاعد الدراسة والعمل، لا الزنازين”.

ملف بن بركة.. ذاكرة معلّقة وأسئلة معلّقة

وبمناسبة الذكرى الستين لاختطاف واغتيال المهدي بن بركة، طالب الحزب الدولة المغربية بالكشف عن جميع الأرشيفات المرتبطة بالقضية، وفتح تحقيق قضائي نزيه وشامل لكشف الحقيقة كاملة وتحديد المسؤوليات، في خطوة ترمز إلى استمرار معركة اليسار من أجل العدالة الانتقالية والحقيقة التاريخية.

يعبّر موقف فيدرالية اليسار عن تحول نوعي في خطاب المعارضة اليسارية المغربية، من نقد المؤسسات إلى نقد بنية الدولة والسياسات العمومية برمتها، انطلاقاً من قناعة بأن الأزمة لم تعد تقنية أو ظرفية، بل بنيوية تمس العلاقة بين السلطة والمجتمع.

فالقانون الانتخابي بالنسبة للحزب ليس مجرد نص تنظيمي، بل مرآة للنظام السياسي في قدرته أو عجزه عن إنتاج تعددية فعلية. وعندما يغيب النقاش العمومي وتُختزل الإصلاحات في ترتيبات شكلية، فإن النتيجة تكون إعادة إنتاج نفس النخب ونفس اختلالات الثقة.

أما نقد الحزب لقانون المالية والتعليم، فيكشف عن تصوره المتكامل لمفهوم “العدالة السياسية والاجتماعية”، حيث يرى أن غياب الديمقراطية في السياسة يقابله بالضرورة توحّش اقتصادي يفرغ الدولة من مضمونها الاجتماعي.

إن فيدرالية اليسار، من خلال هذا الموقف، لا تعلن فقط رفضها لمشاريع قوانين بعينها، بل تطلق صرخة سياسية ضد المسار العام للدولة نحو إعادة هندسة المجال العام تحت عناوين تقنية واقتصادية، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى انفراج سياسي شامل وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button