
(كش بريس/التحرير)ـ كشفت المندوبية السامية للتخطيط، اليوم الإثنين، من خلال قاعدة بياناتها الجديدة حول “السكان والأسر حسب الدواوير”، عن استمرار الفوارق المجالية الحادة بين العالمين القروي والحضري، رغم الجهود المبذولة في مجالات البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
وتظهر المعطيات أن ملايين الأسر في القرى المغربية ما تزال تواجه صعوبات حقيقية في الولوج إلى الخدمات الأساسية، خاصة التعليم والصحة، فيما يعيش ربع سكان القرى في مساكن غير لائقة.

الصحة… طريق طويل نحو الحق الأساسي:
تؤكد بيانات المندوبية أن أكثر من ثلاثة ملايين شخص قروي، أي نحو ربع سكان الدواوير، يضطرون إلى قطع أكثر من 10 كيلومترات للوصول إلى أقرب مؤسسة صحية.
في حين يسلك أزيد من 4 ملايين شخص (31.3%) مسافات تتراوح بين 5 و9 كيلومترات من أجل تلقي خدمات طبية أساسية، بينما يقطع حوالي 4 ملايين آخرين (29.7%) نحو 4 كيلومترات للوصول إلى أقرب مستوصف.
ولا يتجاوز عدد الذين يستفيدون من قرب المرافق الصحية مليوني شخص (15%)، وهي نسبة تعكس محدودية العدالة المجالية في توزيع البنيات الصحية.
هذه الأرقام تسائل بوضوح مدى فعالية سياسات القرب الترابي التي رُوّج لها خلال العقد الأخير، وتعيد إلى الواجهة إشكالية العدالة الصحية في المغرب القروي، حيث يظل المرض غالبًا عبئًا مضاعفًا: ألم الجسد، ومشقة الطريق.
التعليم… طريق العلم لا يزال طويلاً:
رغم التحسن النسبي في انتشار المدارس الابتدائية داخل القرى، إلا أن التعليم الإعدادي والثانوي لا يزال بعيد المنال عن فئات واسعة من الأسر القروية.
فوفق بيانات المندوبية، فإن 69.5% من الأسر القروية تبعد عنها المدرسة الابتدائية بأقل من كيلومترين، و28% تبعد عنها بأربعة كيلومترات، بينما لا تزال 0.6% من الأسر (نحو 18 ألف أسرة) تضطر لقطع أكثر من 10 كيلومترات للوصول إلى المدرسة.
أما التعليم الإعدادي، فيبعد عن 29.2% من الأسر بما بين 5 و9 كيلومترات، وعن 26% بأكثر من 10 كيلومترات، ولا يتوفر إلا على مسافة تقل عن كيلومترين لدى 15.1% فقط من الأسر.
ويزداد الوضع تعقيدًا في المرحلة الثانوية، حيث تبعد الثانويات التأهيلية عن 42.3% من الأسر القروية بمسافة تفوق 10 كيلومترات، مما يجعل الهدر المدرسي القروي نتيجة متوقعة لا لمحدودية الرغبة، بل لبعد المسافة.
البنية التحتية والسكن… فجوة في صميم التنمية:
على مستوى البنية الطرقية، تشير الأرقام إلى أن 78% من الدواوير ترتبط بطريق معبدة تبعد أقل من كيلومترين، في حين تبعد هذه الطرق عن 3% فقط من الدواوير بأكثر من 10 كيلومترات.
كما أن 90% من الدواوير يمكن الوصول إليها عبر طرق سالكة للسيارات، ما يعكس تحسنًا نسبيًا في الربط المجالي، وإن كان غير كافٍ لتحقيق تكامل حقيقي بين المجالات.
أما في ما يتعلق بالسكن، فإن ربع الأسر القروية (25%) ما تزال تقيم في مساكن غير لائقة، وتصل هذه النسبة إلى 75% في نحو 30% من الدواوير، وهو ما يبرز هشاشة العمران القروي وضعف شروط العيش الكريم.
الفجوة التي تعيد إنتاج الهشاشة:
تكشف هذه المعطيات أن الفوارق المجالية بالمغرب ليست مجرد تفاوت جغرافي، بل بنيوي، يمتد إلى البنية التعليمية والصحية والسكنية.
ورغم المؤشرات الإيجابية في الربط الطرقي أو تعميم الابتدائيات، إلا أن غياب العدالة في توزيع الخدمات الاجتماعية الأساسية يجعل التنمية القروية متعثرة وغير مستدامة.
العالم القروي إذن، ما يزال على هامش المركز، يقترب منه في الخطاب السياسي، ويبتعد عنه في الواقع المعيشي. فالمسافة بين القرية والمرفق العمومي ليست فقط 10 كيلومترات من الطريق الوعر، بل مسافة من التفاوت التاريخي والاجتماعي الذي يحتاج إلى سياسات مجالية جديدة تتجاوز منطق التعويض إلى منطق الإنصاف الترابي.
				
					
					




