
(كش بريس/ التحرير)ـ أظهرت دراسة حديثة لمبادرة إنزي إخايو أفريكا وأفريكا كلايمت إنسايتس أن مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية في المغرب لم يكن مجرد محطة كهرباء، بل أصبح نموذجًا رائدًا على مستوى القارة الإفريقية، ضمن أفضل خمسة مشاريع للطاقة المتجددة، في ظل القارة التي تعاني من تحديات تمويلية رغم إمكاناتها الهائلة. وأوضحت الدراسة أن إفريقيا تحصل على 2% فقط من التمويل العالمي للطاقة النظيفة، ما يبطئ قدرتها على بلوغ هدفها الطموح في قمة نيروبي: 300 غيغاواط من القدرة الإنتاجية بحلول 2030.
نور ورزازات: إنجاز مغربي بتمويل مبتكر
يشكل مجمع نور حجر الزاوية في استراتيجية المغرب لرفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 52% من مزيج الكهرباء الوطني بحلول 2030. بقدرة إجمالية 582 ميغاواط، تتوزع بين 510 ميغاواط من الطاقة الشمسية المركزة و72 ميغاواط من الطاقة الكهروضوئية، ويتميز المجمع بإمكانية تخزين الكهرباء لتوفير الإمداد بعد غروب الشمس.
ويعود نجاح المشروع إلى نموذج تمويلي مختلط بين القطاعين العام والخاص، قادته الوكالة المغربية للطاقة المستدامة بتحالف بقيادة شركة أكوا باور السعودية، مدعومًا بتمويل ميسر من مؤسسات دولية كبرى مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وبنك الاستثمار الأوروبي، مما خفض تكلفة الكهرباء بنسبة 10 إلى 25% وجعلها منافسة، ممهّدًا لإبرام اتفاقيات شراء طويلة الأجل.
حالياً، يسهم مجمع نور بنحو 5% من إمدادات الكهرباء في المغرب، ويمنع انبعاث حوالي 690 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، لكنه يواجه تحديًا بيئيًا يتمثل في ارتفاع استهلاك المياه في منطقة صحراوية تعتمد فيها تقنيات الطاقة الشمسية المركزة على التبريد بالمياه.
نماذج أفريقية أخرى: النجاح مشروط بالتخطيط والتمويل
وليس المغرب وحده من حقق إنجازات، فمثلاً مزرعة رياح بحيرة توركانا في كينيا بقدرة 310 ميغاواط تمثل نموذجًا للاستثمار الخاص والتمويل المختلط، تغطي نحو 17% من قدرة توليد الكهرباء في البلاد، لكنها واجهت تأخر الحكومة في تنفيذ خط النقل، ما كبدها غرامات مالية.
في نيجيريا، أسهم إلغاء دعم الوقود وتفاقم أزمة انقطاع الكهرباء في انتشار الطاقة الشمسية على الأسطح، حيث اعتمدت شركات الطاقة نظام الدفع مقابل الاستعمال، ودعمت الحكومة مشروع الكهربة الوطنية بتمويل من البنك الدولي، مضيفة 1.6 غيغاواط من الطاقة الشمسية خلال 2023.
كما تناولت الدراسة مشاريع كبرى للطاقة الكهرومائية في وسط وجنوب إفريقيا، مثل غراند إنغا في الكونغو الديمقراطية (44 غيغاواط) ومفاندا نكوا في موزمبيق (1.5 غيغاواط)، لكنها أشارت إلى أن تنفيذها يواجه تحديات سياسية وأمنية ومالية كبيرة.
جنوب إفريقيا: تجربة تخزين الكهرباء لمواجهة الانقطاع
واختتمت الدراسة بالإشارة إلى جنوب إفريقيا، حيث واجهت أزمة الانقطاع عبر مشروع ضخم لتخزين الكهرباء بالبطاريات، تقوده شركة إسكوم الحكومية بالشراكة مع القطاع الخاص، وبتمويل من البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، لتعزيز استقرار الشبكة في المناطق ذات الإمكانات العالية للطاقة المتجددة.
بين إنجازات المغرب والكينيا ونيجيريا، وبين الطموحات الضخمة في الكونغو وموزمبيق، يظهر أن الطاقة المتجددة في إفريقيا ليست حلمًا بعيدًا، بل سباقًا بين التمويل والتخطيط والاستقرار السياسي. نور ورزازات هو الرمز المغربي لهذا السباق، حيث يثبت أن الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص مع دعم التمويل الدولي يمكن أن تحول الإمكانات إلى واقع ملموس، رغم تحديات البيئة والصحراء والسياسات.