
حين يتحدث قاتل عن “الإرهاب”، يكون المشهد أشبه بقطٍّ سارقٍ للحليب يتّهم المزارع بالجشع. أنتم، يا بني صهيون، لستم سلطة شرعية ولا دولة طبيعية، أنتم كيان قائم على النفي والمحو والقتل، أُقيم على أنقاض وطن اسمه فلسطين، وعلى جراح شعب اسمه الشعب الفلسطيني.
منذ أن جئتم إلى هذه الأرض، جئتم محمولين على أكتاف الاستعمار البريطاني، تحت وعد بلفور المشؤوم. جئتم بألوية “الهاجاناه” و”شتيرن” و”الإرغون”؛ العصابات التي فجّرت الفنادق، وذبحت القرى، وأحرقت البيوت بمن فيها، كما حدث في دير ياسين وكفر قاسم والطنطوره واللد والرملة. هذه ليست تهمًا؛ هذه حقائق تاريخية موثقة في كتب المؤرخين، وحتى في شهادات جنودكم السابقين.
ثم تأتي اليوم، وأنت المتحدث باسم ورثة تلك العصابات، لتتهم الصحفي الشهيد أنس الشريف بالإرهاب لأنه التقى أو جلس في صورة مع قادة المقاومة. أنس الشريف لم يحمل بندقية، لم يطلق رصاصة، لم يزرع عبوة، بل زرع الحقيقة في قلوب الأحرار. أنس الشريف لم يكن سوى عين فلسطين التي لا تنام، وضميرها الذي لا يخون، وصوتها الذي لن يصمت.
أما يحيى السنوار وخليل الحية، فهما أبناء غزة، وأبناء قضية عمرها أكثر من سبعين عامًا، قاوموا لأنهم لم يجدوا بديلًا عن المقاومة في وجه احتلال يقتل أطفالهم ويهدم بيوتهم ويحوّل مدنهم إلى أنقاض. تسميهم “إرهابيين” لأنهم لم يركعوا لاحتلالك، ولأنهم اختاروا أن يقفوا في صف شعبهم، بينما تسمي جنودك الذين يقصفون البيوت على ساكنيها “أبطالًا” و”مدافعين”.
يا أفيخاي، أنت تعلم كما يعلم الجميع أن القانون الدولي في المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة يعطي الشعوب تحت الاحتلال الحق في المقاومة بكل أشكالها، المسلحة وغير المسلحة. يحيى السنوار وخليل الحية وغيرهم ليسوا “إرهابيين” كما تزعم، بل هم مقاومون في أرضهم، يواجهون عصابة هي من أكثر العصابات وحشية ودموية في التاريخ.. عصابة تمارس حربًا شاملة على شعب أعزل.
الإرهاب أيها القاتل ليس في صور المقاومين، بل في صور طائراتكم وهي تلقي القنابل على مخيمات اللاجئين. الإرهاب ليس في اجتماع رجال من غزة في غرفة واحدة، بل في اجتماع قادة جيشكم في غرف العمليات ليقرروا قصف الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس. الإرهاب هو أن تمنع الغذاء والدواء عن الأطفال، وأن تقطع الماء والكهرباء عن شعب كامل، ثم تقف بوضاعة أمام العالم لتقول إنك “تحارب الإرهاب”.
العالم كله يعلم أنكم لولا صمت العرب وتواطؤ الغرب ودعم أمريكا لما بقي لكم موطئ قدم على هذه الأرض. أنتم مدعومون من أقوى قوة عسكرية في العالم، تحصلون على مليارات الدولارات سنويًا من دافع الضرائب الأمريكي، لتشتروا بها مزيدًا من الرصاص والصواريخ لقتل الفلسطينيين. وأنتم تحتمون بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن حتى لا يدين العالم جرائمكم.
أما نحن، فأبناء هذه الأرض، لا نحتاج إلى إذن من أحد لنعيش على ترابنا، ولا نطلب تصريحًا من جيش غريب لنصلي في مساجدنا وكنائسنا. أنتم الذين جئتم من بولندا وألمانيا وروسيا وأمريكا لتحتلوا حيفا ويافا والقدس وغزة، ثم تزعمون أنكم “أصحاب الأرض”
أنت، يا أفيخاي، آخر من يحق له الحديث عن “الإرهاب”. فالإرهاب في قاموس الإنسانية هو الاحتلال، والاحتلال هو أنتم. أنتم الذين اغتصبتم أرضًا ليست لكم، وشرّدتم شعبًا كاملًا، وحاصرتم ما تبقى منه خلف جدران وأسلاك.
لكن تذكّر: التغطية مستمرة، والاحتلال لن يدوم، مهما طال، والتاريخ لا يرحم، مهما حاولتم تزويره. يومًا ما، ستُرفع صور أنس الشريف في ميادين الحرية، وسيُذكر اسم السنوار والحية كأبطال قاوموا، وسيُذكر اسمك أنت كمجرم حرب، دافع عن القتلة، وغطّى على الدماء بالكذب.
أما فلسطين، فستبقى ما بقي الليل والنهار، وسيبقى فيها من يقاوم حتى يزول آخر جندي محتل عن أرضها.