
(كش بريس/ التحرير) ـ
وجّه المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في مذكرة صادرة عن رئيسه محمد عبد النباوي بتاريخ 8 شتنبر 2025، تعليمات صارمة إلى قضاة الأسرة المكلفين بملفات الزواج بشأن الإذن بتعدد الزوجات. ويأتي هذا التوجيه بعد رصد ممارسات “متساهلة” في منح التراخيص، وما رافقها من تنقل بعض طالبي الإذن بين المحاكم للاستفادة من تفاوت القرارات القضائية، ما أتاح مجالاً للتحايل على القانون.
شدد المجلس في المذكرة على ضرورة دراسة الملفات بدقة، مع تضمين حيثيات مفصلة تبرر أي قرار بالموافقة على التعدد، وإرفاق نسخة من القرار القضائي في سجل خاص يُتداول بين المحاكم عبر الأنظمة المعلوماتية، لضمان الشفافية وتفادي التكرار أو الاستغلال المحتمل. كما دعا المجلس إلى تعزيز التنسيق بين قضاة الأسرة والنيابات العامة، وتفعيل تتبع رقمي للملفات لضمان الرقابة الدقيقة.
هذا التوجيه القضائي يتقاطع مع النقاش الوطني حول مراجعة مدونة الأسرة المغربية، الذي أعلن الملك محمد السادس فتحه في خطابه بمناسبة عيد العرش 2025. وقد شكلت لجنة مختصة دراسة التعديلات المقترحة، التي شملت قضايا الزواج، الطلاق، الحضانة، والتعدد، مع التركيز على حماية حقوق النساء والأطفال، ومواءمة التشريعات مع المستجدات الاجتماعية والحقوقية.
بموجب مدونة الأسرة، يظل التعدد استثناءً مقيدًا بشروط مشددة: مبررات استثنائية مثل العقم أو المرض، قدرة مادية مثبتة، وإشعار الزوجة الأولى التي تملك حق الاعتراض وطلب التطليق للضرر، مع إمكانية إدراج شرط منع التعدد في عقد الزواج. الزواج بامرأة ثانية دون إذن قضائي يُعتبر باطلاً ويعرّض الزوج للمساءلة، وهو ما يعكس سعي المشرّع إلى الحد من الظاهرة وضمان حماية حقوق الزوجات والأبناء.
رغم ذلك، أظهرت تقارير وجود ممارسات قضائية متباينة في منح التراخيص، مما استدعى التشديد على الرقابة القضائية والرقمنة لضمان توحيد القرارات ومنع أي تحايل. من ناحية اجتماعية، يُظهر الرأي العام تباينًا بين مؤيد ومعارض لهذه التعديلات: فبينما ترى بعض الأصوات فيها خطوة نحو تعزيز حقوق النساء، يعتبر آخرون أنها لا تلبّي كامل التطلعات المجتمعية للعدالة والمساواة.
وتبرز المبادرات الحقوقية مثل حملة “أمّي” أهمية معالجة قضايا الأطفال وحقوقهم، بما يعزز الحاجة لمراجعة شاملة ومتوازنة للنصوص القانونية. وفي الوقت نفسه، تواجه عملية الإصلاح تحديات كبيرة تتعلق بتحقيق التوازن بين الالتزام بالمبادئ الإسلامية ومتطلبات حقوق الإنسان الحديثة، بما يتطلب إرادة سياسية قوية وتعاونًا وثيقًا بين المؤسسات القضائية والتشريعية.
