‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

المغرب في مؤشر العدالة العالمية 2024: بين تفوق حفظ السلام وتأخر التعليم والحماية الاجتماعية

(كش بريس/التحرير)ـ أظهر تقرير «مؤشر العدالة العالمية 2024» الصادر عن معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية بجامعة فودان (شنغهاي)، في 3 شتنبر 2025، صورة متناقضة لأداء المغرب على الصعيد الدولي. إذ جمع المؤشر تقييم مساهمات الدول في عشرة مجالات رئيسية تشمل التعليم، الصحة، المناخ، حفظ السلام، المساعدات الإنسانية، حماية النساء والأطفال، مكافحة الفقر، مكافحة الإرهاب، ودعم اللاجئين.

التعليم: مؤشر إنذار مبكر

حل المغرب في المرتبة 110 عالمياً من أصل 182 دولة، متخلفاً عن دول الشمال الأوروبي التي تصدرت الترتيب (فنلندا أولاً، السويد ثانياً)، كما تفوقت عليه دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية واليابان. في المقابل، تصدرت قطر والإمارات الإقليمية الترتيب، وجاءت جنوب إفريقيا في المركز 88.
يشير هذا التصنيف إلى تحديات جوهرية في جودة التعليم، عدالة التوزيع المجالي والاجتماعي للموارد، وتكوين المعلمين. ويبرز التقرير الحاجة إلى إصلاحات عاجلة لتحسين التعلّم في الطفولة المبكرة، رفع كفاءة المعلم، وتمكين الإدارة المدرسية.

حفظ السلام: أداء بارز ورافد دبلوماسي

على النقيض من التعليم، حقق المغرب تقدماً كبيراً في مجال حفظ السلام، إذ احتل المركز 18 من 198 دولة، بمساهمة قوات شرطية وعسكرية في بعثات أممية بإفريقيا الوسطى، مالي، الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان. ويضع المغرب ضمن الدول الأكثر نشاطاً على الصعيد الإفريقي إلى جانب رواندا، مصر، وغانا.
هذا الأداء يعكس قدرة المملكة على لعب دور استراتيجي في الاستقرار الإقليمي، ويتيح فرصة لتحويل هذه الخبرة إلى أدوات داخلية لتطوير قدرات الأجهزة الأمنية، اللوجستية، والطوارئ المدنية.

المساعدات الإنسانية: أداء متوسط

حل المغرب في المركز 56 عالمياً، مع مراعاة مساهماته النسبية مقارنة بقدرته الاقتصادية. ويأتي التصنيف بعد دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإثيوبيا، فيما تصدرت السعودية والإمارات الترتيب العربي في هذا المجال.
ويشير التقرير إلى أن تحسين الفعالية لا يقتصر على حجم المساعدات، بل يشمل التركيز الجغرافي والموضوعي، وقياس الأثر مقابل الموارد المستخدمة.

المناخ: تحديات بيئية ملحة

حل المغرب في المرتبة 135 عالمياً، ما يعكس ضعف مساهماته النسبية في مكافحة التغير المناخي، بالرغم من المشاريع الوطنية في الطاقات المتجددة. وتمكنت دول إفريقية صغيرة مثل الغابون وليبيريا وغينيا الاستوائية من الوصول إلى المراتب المتقدمة بفضل الحفاظ على الغطاء الغابوي ومبادرات الطاقة المتجددة.
وتبرز الحاجة إلى استراتيجيات شاملة للتكيف مع التغير المناخي، إدارة الموارد المائية، وتعزيز الطاقة النظيفة.

حماية النساء والأطفال: هشاشة مؤسسية

صنف التقرير المغرب في المرتبة 121 من أصل 178 دولة، ما يعكس قصور السياسات الاجتماعية في مجال مكافحة العنف المبني على النوع الاجتماعي وحماية الفئات الهشة.
ويشير التقرير إلى أن الدول المتقدمة في هذا المجال تعتمد على شبكات حماية اجتماعية قوية، مؤسسات متخصصة، وبرامج للتوعية والتدريب المجتمعي.

مكافحة الفقر: تحسن نسبي

حل المغرب في المركز 75 عالمياً، وهو أداء متوسط مقارنة بدول كبرى مثل الصين والهند والبرازيل التي اعتمدت برامج واسعة لخفض الفقر.
ويؤكد التقرير على أهمية التحويلات النقدية المشروطة، تحسين التأمين الصحي، وتوفير فرص التشغيل المحلي كركائز لتعزيز العدالة الاجتماعية.

تكشف نتائج التقرير عن مفارقة واضحة: تقدم المغرب في المجالات الأمنية والدبلوماسية (حفظ السلام)، مقابل تأخر في المجالات الاجتماعية والتعليمية والبيئية.
ويرجع هذا التباين إلى:

  1. وضوح المعايير والتنفيذ في حفظ السلام مقابل تعدد القطاعات وصعوبة التنسيق في التعليم والحماية والمناخ.
  2. القياس الفوري للأثر العسكري مقابل التأثير البطيء للإصلاحات الاجتماعية.
  3. نقص المأسسة والتمويل القائم على الأداء في المجالات الحيوية.

ويبقى أن تلتفت الدولة المغربية، من أجل تجاوزهذه المعضلات، العمل على وضع حزم إصلاحية متكاملة تشمل التعليم، الحماية الاجتماعية، والمناخ، قابلة للقياس الدوري والتصحيح المستمر. وتوظيف خبرات حفظ السلام في تطوير قدرات الأمن المدني والطوارئ. وتعزيز الشفافية والبيانات المفتوحة في المساعدات الإنسانية والمشاريع البيئية والاجتماعية. واعتماد تمويل مؤشرات الأداء لضمان ربط الموارد بالنتائج وتحقيق أثر ملموس سريع.

ويبقى المغرب أمام تحدٍّ مزدوج: تحويل رصيده الدولي في حفظ السلام والدبلوماسية إلى مكاسب ملموسة على الأرض، وفي الوقت ذاته تسريع الإصلاحات الاجتماعية والتعليمية والبيئية لضمان عدالة شاملة ومستدامة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button