
(كش بريس/خاص)ـ في خطوة جديدة تعكس الرؤية الصناعية المتبصّرة للملك محمد السادس، ترأس جلالته، مرفوقًا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، حفل تقديم وإطلاق أشغال إنجاز المركب الصناعي الجديد لمحركات الطائرات التابع لمجموعة “سافران” الفرنسية، بالمنصة الصناعية “ميدبارك” بالنواصر. ويعد هذا المشروع، الذي تصل كلفته الاستثمارية إلى 3.4 مليارات درهم، تتويجًا لمسار استراتيجي يهدف إلى جعل المغرب مركزًا مرجعيًا في صناعة الطيران ذات القيمة التكنولوجية العالية.
يمثل المركب الصناعي أكثر من مجرد بنية إنتاجية؛ فهو تجسيد لمفهوم السيادة الصناعية الذي يسعى المغرب إلى ترسيخه عبر توطين الصناعات المتقدمة، وبناء جسور التعاون بين الابتكار والتكوين المهني، بما يجعل الرأسمال البشري الوطني محورًا رئيسيًا للتطور الصناعي. ويضم المشروع مصنعين كبيرين: أحدهما لتجميع واختبار محركات الطائرات من طراز LEAP، والثاني متخصص في صيانة وإصلاح المحركات، بطاقة إنتاجية وصيانة عالية ستتيح خلق حوالي 900 منصب شغل مباشر في أفق 2030.

بين “سافران” والمغرب: شراكة تتجاوز الاستثمار
تعبّر هذه الخطوة عن عمق الثقة المتبادلة بين المملكة ومجموعة “سافران”، التي تعد من أبرز الفاعلين في صناعة الطيران العالمية. فمنذ أكثر من ربع قرن، اختارت المجموعة الاستثمار في المغرب، لتتحول العلاقة إلى شراكة استراتيجية طويلة المدى تتأسس على مبدأ “ننتج في المغرب ومع المغرب”، كما قال رئيس مجلس إدارة المجموعة، روس ماكينيس.
ويرى المراقبون أن هذا المشروع يكرّس تحول المغرب من منصة لتجميع المكونات إلى مركز للإبداع الصناعي والتصميم الهندسي، بفضل الإصلاحات التي قادها الملك في مجالات التعليم التقني، والطاقات المتجددة، والبنية التحتية الصناعية.
البعد الرمزي والاقتصادي
يكتسب إطلاق هذا المشروع دلالات متعددة؛ فهو رسالة ثقة دولية في استقرار المغرب الاقتصادي والسياسي، كما أنه يبرز نجاعة النموذج التنموي الصناعي للمملكة، الذي يراهن على التكامل بين الصناعات المتقدمة والانتقال الطاقي، إذ تم توقيع اتفاقيات لتزويد مصانع “سافران” بالطاقة النظيفة في إطار التحول الأخضر الذي يقوده المغرب.
ويأتي المشروع ليعزز الأرقام المسجلة في قطاع الطيران المغربي، الذي حقق رقم معاملات تجاوز 26 مليار درهم سنة 2024، ويضم أكثر من 150 فاعلًا دوليًا، مما يجعل المغرب في طليعة الدول الإفريقية والعربية في هذا المجال.

من الصناعة إلى بناء رمزية المستقبل
يتجاوز المشروع بعده الصناعي ليصبح رمزًا لرؤية المغرب الجديدة للحداثة والتنمية، حيث يجمع بين الابتكار والتشغيل، وبين التكنولوجيا والبيئة، وبين الاقتصاد والمعرفة. فاختيار “ميدبارك” بالنواصر، القريبة من معاهد التكوين في مهن الطيران، يعبّر عن تصور مندمج يربط بين التكوين والبحث والإنتاج في فضاء واحد.
إن حضور الملك محمد السادس لإعطاء انطلاقة هذا المشروع ليس مجرد إشراف بروتوكولي، بل هو تأكيد على مركزية الإرادة السياسية في بناء المستقبل الصناعي للمغرب، ومواصلة لنهج بدأ منذ عقدين لتحويل المملكة إلى فاعل أساسي في سلاسل القيمة العالمية.