
(كش بريس/ التحرير)ـ في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتقديم قراءة رسمية دقيقة لأحداث “جيل زد”، أعلنت رئاسة النيابة العامة، يوم الثلاثاء، عن حصيلة شاملة للتوقيفات والإفراجات التي رافقت الاحتجاجات الأخيرة وما تخللها من أعمال عنف وتخريب في عدد من المدن المغربية، مؤكدة أن جميع الإجراءات أُنجزت في إطار القانون ووفقًا لضمانات المحاكمة العادلة.
توازن بين الصرامة القانونية وحماية الحقوق:
أبرزت المعطيات أن السلطات القضائية أفرجت عن 3300 شخص بعد التحقق من عدم تورطهم، فيما قدمت 2480 شخصًا أمام النيابات العامة، بينهم 1473 متهمًا في حالة اعتقال و959 في حالة سراح. كما تم حفظ الملفات في حق 48 مشتبها به، في مؤشر على سعي النيابة العامة إلى الموازنة بين مقتضيات الردع واحترام قرينة البراءة.
هذا المعطى العددي لا يعكس فقط حجم الظاهرة الاجتماعية التي فجرتها احتجاجات “جيل زد”، بل أيضًا حساسية اللحظة القضائية التي تحاول فيها الدولة الإمساك بخيط رفيع بين الاستقرار والإنصات لمطالب الشباب.
جرائم موصوفة بالخطيرة:
جاء في التصريح أن الأفعال موضوع المتابعة وُصفت بالخطيرة، وتراوحت بين إشعال النار في الممتلكات العامة والخاصة، وقطع الطرق، والتخريب، والاعتداء على عناصر الأمن. وهي تهم تضع القضايا في خانة الجنايات التي قد تصل عقوبتها إلى 30 سنة سجنا، ما يعكس حجم التوتر الاجتماعي الذي تجاوز سلمية الاحتجاج إلى العنف المادي.
في المقابل، شددت النيابة العامة على أن الأحكام الصادرة حتى 27 أكتوبر 2025 راعت الظروف الاجتماعية وعدم وجود سوابق قضائية لدى المتهمين، إذ تراوحت العقوبات بين سنة و15 سنة سجناً، وهو ما يمكن قراءته كمحاولة لإيجاد توازن بين الردع والعفو الجزئي في ظل تعقيد السياق العام.
الأحداث القاصرون في قلب الجدل:
توقف التصريح عند فئة الأحداث (القاصرين) الذين تورط بعضهم في أعمال العنف، إذ صدرت 162 حكما في حقهم، بينها 83 حالة قضت بتسليم الحدث لولي أمره. وهي إشارة مهمة تؤكد — حسب المراقبين — ميل المؤسسة القضائية إلى تغليب البعد التربوي على العقاب الزجري، إدراكًا لكون الاحتجاجات حملت بصمة جيلٍ يعبّر عن ذاته خارج الأطر التقليدية.
رسالة سياسية بلسان قانوني:
ما بين سطور البيان، يبدو أن رئاسة النيابة العامة أرادت إرسال رسالة مزدوجة:
الأولى إلى الرأي العام، تؤكد أن الدولة تتعامل مع الملفات وفق القانون لا بمنطق الانتقام، وأن العدالة حافظت على مسافة قانونية من التجاذبات السياسية.
أما الثانية، فهي موجهة إلى المجتمع الدولي ومراقبي حقوق الإنسان، إذ شددت على ضمان كافة شروط المحاكمة العادلة، من إشعار الموقوفين بالتهم المنسوبة إليهم إلى تمكينهم من الاتصال بمحاميهم وحضورهم أثناء التقديم، نافية أي تجاوز أو إكراه.
القضاء في مواجهة سؤال الثقة:
تأتي هذه الأرقام والتوضيحات في سياق عام يتسم بتوتر اجتماعي متزايد واحتقان شبابي واسع، حيث أصبحت العلاقة بين الشارع والمؤسسات الرسمية تمر عبر اختبار الشفافية والمساءلة.
وإذا كانت النيابة العامة قد قدمت خطابًا قانونيًا متماسكًا، فإن الرهان الحقيقي، كما يرى عدد من المراقبين، يتمثل في استعادة ثقة الجيل الجديد في العدالة والمؤسسات، وهي معركة لا تُحسم بالأرقام فقط، بل بقدرة الدولة على الإنصات والتحول الاجتماعي.
إن ما كشفه تصريح النيابة العامة ليس فقط معطيات قانونية، بل صورة مجتمعٍ يبحث عن توازن بين التعبير والضبط، بين الحق في الغضب وواجب الحفاظ على النظام العام.





