‏آخر المستجداتبقية العالم

الهجرة المغاربية والأفريقية في فرنسا: الأرقام التي تعيد رسم الخريطة الاجتماعية

(كش بريس/التحرير)ـ يُظهر التقرير الصادر عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية بفرنسا ملامح التحول الديموغرافي والاجتماعي العميق الذي تعرفه البنية السكانية الفرنسية في العقدين الأخيرين، حيث تُترجم الأرقامُ الواردة فيه ليس فقط تحولاتٍ كمية في أعداد الأجانب والمهاجرين، بل أيضًا تحولاتٍ نوعية في خريطة الانتماء والهجرة والاندماج.

فوفقًا للبيانات، حصل حوالي 40,7% من المقيمين المنحدرين من بلدان المغرب العربي على الجنسية الفرنسية سنة 2024، وهي نسبة تفوق نظيرتها بين المهاجرين من أصول إفريقية جنوب الصحراء (37,2%)، ما يعكس – من زاوية سوسيولوجية – تَرسُّخ الهجرة المغاربية في النسيج الاجتماعي الفرنسي عبر أجيال متعاقبة، واستقرارها النسبي مقارنة بأنماط هجرة أكثر حداثة وأقل تجذرًا.

ويُلاحظ كذلك أن عدد الأجانب المقيمين في فرنسا بلغ نحو 6 ملايين شخص، منهم أكثر من 5 ملايين وُلدوا خارجها، في حين نشأ قرابة 900 ألف داخل الأراضي الفرنسية، أغلبهم من القاصرين الذين قد يحصلون على الجنسية تلقائيًا وفق شروط محددة. هذه المعطيات تُبرز أن فرنسا لم تعد فقط بلد استقبال، بل أصبحت أيضًا بلد تنشئةٍ وتوارثٍ للهوية المزدوجة، حيث يتحول الوجود الأجنبي من “وافد” إلى “مكوّن بنيوي” في المجتمع الفرنسي.

ويكشف تطور نسب الانتماءات القارية عن تحول جيوسياسي عميق في مصادر الهجرة: فبينما كان ثلاثة أرباع الأجانب عام 1968 أوروبيين، أصبح نصفهم اليوم إفريقيين، وهو ما يعكس انزياحًا جغرافيًا في موجات الهجرة من الشمال الأوروبي إلى الجنوب المتوسطي والإفريقي، نتيجة التفاوتات الاقتصادية والاستعمارية القديمة التي ما تزال تلقي بظلالها على الواقع المعاصر.

كما يشير التقرير إلى تباين ديموغرافي لافت في الفئات العمرية، حيث تبلغ نسبة الأجانب 10% بين الأطفال دون 13 عامًا، مقابل 5,6% بين 13 و17 عامًا، وهو مؤشر على تجدد القاعدة الشبابية للمهاجرين، وعلى أن مستقبل فرنسا سيكون مرهونًا بقدرتها على إدماج أجيال متعددة الانتماءات في منظومتها الثقافية والمدنية.

أما على المستوى الأوروبي، فإن فرنسا – رغم تاريخها الطويل مع الهجرة – تسجّل نسبة أجانب (دون جنسية فرنسية) أقل من المتوسط الأوروبي (9,6%)، وأدنى بكثير من دول مثل سويسرا (27%) ولوكسمبورغ (47%). ويكشف هذا التفاوت أن سياسات التجنيس والإدماج الفرنسية تسهم بشكل فعّال في “تحويل الأجنبي إلى مواطن”، مما يقلل من حجم الفوارق الإحصائية دون أن يلغي الأسئلة الجوهرية حول الاندماج الثقافي والاجتماعي الحقيقي.

في البعد التاريخي، يُظهر المسار الممتد منذ عشرينيات القرن الماضي أن الهجرة ليست طارئة على الجغرافيا الفرنسية، بل تمثل إحدى ركائز تطورها الديموغرافي. فمن 1,5 مليون أجنبي عام 1921، إلى 2,7 مليون في الثلاثينيات، ثم انخفاض خلال الحرب العالمية الثانية، فارتفاع جديد بعد منتصف القرن، تشكل هذه الدورة التاريخية إيقاعًا ديموغرافيًا موازيًا لتقلبات الاقتصاد والسياسة الفرنسية.

تركيبيًا، يمكن القول إن فرنسا اليوم تقف على عتبة إعادة تعريف ذاتها السوسيولوجية:

فمن “جمهورية قومية متجانسة” إلى “فضاء تعددي مفتوح على انتماءات متعددة”، تعيش فرنسا تحوّلاً صامتًا في معنى المواطنة والهوية والانتماء. لم تعد المسألة عددية بقدر ما أصبحت سؤالًا عن نوع العلاقة بين الدولة والأجنبي، بين الهوية والتنوع، بين الذاكرة الاستعمارية والمواطنة المعاصرة.

هل ترغب أن أُعيد صياغة هذا التحليل بلغة أكثر فلسفية وتأملية (أقرب إلى الأسلوب الذي استخدمناه في نصوصك السابقة) أم تفضل أن أُبقيه في هذا النمط التحليلي الأكاديمي المركّب؟

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button