‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

الولاية الرابعة لإدريس لشكر.. نهاية السياسة وبداية الإدارة داخل حزب اليسار

(كش بريس/جليل بوفارس من الرباط)ـ يُعدّ تجديد الثقة في إدريس لشكر على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لولاية رابعة حدثًا سياسيًا بالغ الدلالة، ليس فقط داخل المشهد الحزبي المغربي، بل أيضًا في مسار التحولات العميقة التي تعرفها الحياة السياسية واليسارية في البلاد. فالنتيجة شبه المطلقة التي حصل عليها لشكر (1611 صوتًا مقابل 26 معارضًا) لا تعبّر عن “إجماع ديمقراطي”، بقدر ما تُبرز تكلّس البنية الداخلية للحزب وتحولها من فضاء للتداول والمساءلة إلى منظومة ولاء وإعادة إنتاج الزعامة.

من الناحية الشكلية، تبدو إعادة انتخاب لشكر خطوة “شرعية” استندت إلى ملتمس مؤسساتي صادر عن المجلس الوطني، ومقترن بمصادقة أغلبية الثلثين. لكن من الناحية الجوهرية، تكشف العملية عن مفارقة صارخة بين الشكل الديمقراطي والجوهر التنظيمي. فحزبٌ يُفترض فيه أن يجسّد قيم الحداثة السياسية والتناوب الديمقراطي، يجد نفسه أسير إرادة شخص واحد، يُمدَّد له في قيادةٍ مستمرة منذ أكثر من عقد، عبر آلياتٍ محسوبة بعناية تضمن الولاء أكثر مما تفتح أفق التجديد.

إن تعديل النظام الأساسي لتمديد الولايات التنظيمية في مختلف الأجهزة، والذي صودق عليه في ذات المؤتمر، يعمّق هذا الاتجاه نحو ترسيخ منطق “الاستمرارية السلطوية داخل حزب اليسار”، بما يناقض روح التحديث التي قامت عليها المدرسة الاتحادية منذ بداياتها. فالتمديد هنا لا يعني ضمان الاستقرار التنظيمي، بل يُترجم الخوف من المجهول القيادي، وانكماش الحقل الحزبي حول مركز قرار مغلق، يهيمن عليه توازن المصالح أكثر من جدل الأفكار.

لقد قاد إدريس لشكر الحزب منذ سنة 2012، في سياقات متقلبة بين المعارضة والمشاركة الحكومية، لكنه لم ينجح في إعادة بعث الفكر الاتحادي كقوة اقتراحية أو أخلاقية، بل انزاح الخطاب اليساري نحو براغماتية هجينة فقدت تماسها مع الطبقات الوسطى والمهمشة، التي كانت يومًا نواة اليسار المغربي. وفي كل محطة انتخابية، كان الحزب يُقدَّم بوجهٍ إداري أكثر منه وجهاً نضالياً، ما أدى إلى تآكل شرعيته الاجتماعية رغم بقاء رمزيته التاريخية.

أما “الإجماع الواسع” الذي أفرزه المؤتمر، فيجب قراءته لا كدليل على قوة القائد، بل كمؤشر على ضعف البنية النقاشية داخل الحزب، حيث غابت المنافسة الفكرية والسياسية الحقيقية، وتم تهميش التيارات المعارضة عبر هندسة تنظيمية محكمة. إن الديمقراطية الداخلية، في معناها الحقيقي، ليست مجرد تصويتٍ بالأرقام، بل قدرة الحزب على إنتاج بدائل قيادية ورؤى جديدة؛ وهذا ما فشل فيه الاتحاد الاشتراكي منذ أكثر من عقد.

تأتي هذه الولاية الرابعة في لحظة أزمة عميقة يعيشها اليسار المغربي: أزمة هوية، وأزمة مشروع، وأزمة جاذبية اجتماعية. فاليسار لم يعد يملك خطابًا متماسكًا يواجه به صعود الليبرالية الشعبوية والمحافظة الجديدة، بل يعيش على إرث نضالي لم يعد يواكب تحولات المجتمع المغربي. وفي هذا السياق، يبدو استمرار إدريس لشكر في القيادة تعبيرًا عن أزمة القيادة نفسها، لا عن حلّها.

إن تجديد القيادة في مناخ سياسي مأزوم لا يمكن أن يُختزل في التصويت على اسمٍ بعينه، بل في قدرة الحزب على تجديد فكرته عن ذاته وعن المجتمع. أما ما جرى في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، فيمكن وصفه بدقة بأنه تجديد شكلي في بنية متقادمة، يؤكد أن الحزب اختار البقاء في دائرة المألوف، بدل أن يخوض مغامرة التحول نحو المستقبل.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button