‏آخر المستجداتالمجتمع

اليونسكو تُشخّص العطب: اختلالات الإنصاف في الطفولة المبكرة بالمغرب

(كش بريس/ التحرير)ـ أطلقت منظمة اليونسكو دعوة لتقديم مقترحات بحثية ميدانية حول واقع التعليم الأولي في المغرب، استعداداً للإصدار الإقليمي لتقرير GEM 2026 المخصص للدول العربية. ورغم الطابع التقني الظاهر لهذه المبادرة، فإن خلفيتها الفكرية تكشف عن رهان نقدي مزدوج: فهم البنية الخفية للاختلالات التعليمية، وتفكيك الفوارق الاجتماعية والثقافية التي تحكم فرص الأطفال في الولوج إلى التعليم المبكر.

التعليم الأولي بين النية الإصلاحية والواقع البنيوي

تسعى الدراسة، كما تشير الوثيقة الأممية، إلى مقاربة إشكالية المشاركة والإنصاف في التعليم المبكر من منظور يتجاوز الأرقام الجافة إلى تحليل السياقات الثقافية والاجتماعية التي تُعيد إنتاج اللامساواة. فالتعليم الأولي، الذي يُفترض أن يكون بوابة العدالة التربوية، يتحول في الواقع إلى مرآة لعدم الإنصاف الاجتماعي، حيث تُحدد الجغرافيا والمستوى الاقتصادي للأسرة مصير الطفل التربوي منذ سنواته الأولى.

إنّ دعوة اليونسكو إلى بحوث ميدانية ذات حس نقدي تُبرز وعياً متزايداً بأنّ الفشل التعليمي لا يُقاس فقط بالمؤشرات التقنية، بل بمدى حضور قيم المواطنة والكرامة والتكافؤ في بنية السياسات العمومية. وهنا يصبح التعليم المبكر اختباراً أخلاقياً لقدرة الدولة على رعاية الإنسان قبل أن يُصبح “مواطنًا منتجًا”.

نقد السياسات لا الأفراد

تؤكد الوثيقة الأممية على ضرورة أن تكون البحوث المقترحة مبنية على تحليل نقدي للمعطيات، بما يضمن تجاوز الخطاب الرسمي نحو مساءلة العمق البنيوي للمشكلة. فحين يُترجم “تعميم التعليم الأولي” في الخطط الحكومية إلى مجرد توسعة رقمية أو بنى تحتية إضافية، دون معالجة الفوارق الثقافية والمجالية، فإنّ المشروع يتحوّل إلى إصلاح فوقي بلا مضمون اجتماعي.

التركيز على المقارنة بين الجهات، وإشراك أولياء الأمور والفاعلين المحليين، يكشف رغبة اليونسكو في سماع الصوت الصامت للمجتمع، ذاك الذي لا يظهر في التقارير، لكنه يختزل جوهر الأزمة: غياب الثقة في المدرسة كفضاء للتربية لا للتلقين، وضعف وعي الأسر بأهمية التعليم المبكر كحق لا كترف.

البعد الثقافي كشرط للإنصاف

تُلح الوثيقة على ضرورة إدماج السياق الثقافي والاجتماعي في تحليل ممارسات التعليم ما قبل المدرسي. فالإصلاح التربوي، كما توحي الرؤية الجديدة، لا ينجح ما لم يلامس تصورات المجتمع عن الطفولة والأنثى والعائلة. إنّ غياب النقل المدرسي أو ضعف تأهيل المربيات ليس سوى أعراض لمرض أعمق: عطب في الثقافة التربوية الجماعية التي ما تزال ترى في التعليم المبكر رفاهية أو شأناً نسائياً منزلياً.

نحو معرفة نقدية بملامح الإصلاح

إنّ رهان اليونسكو على البحث الأكاديمي المغربي يعكس إيماناً بضرورة إنتاج معرفة نقدية من الداخل، قادرة على مساءلة منطق الإصلاح نفسه. فالتقرير المنتظر لعام 2026 لن يكون مجرد جرد للبرامج الحكومية، بل محاولة لتشييد خريطة معرفية للعدالة التعليمية، تُعيد التفكير في علاقة الطفل بالدولة، والمجتمع بالمدرسة، والسياسة بالإنصاف.

بهذا المعنى، يمكن النظر إلى هذه المبادرة كخطوة تتجاوز حدود البحث الأكاديمي نحو تأسيس وعي بديل بالطفولة والتربية، وفضح التفاوتات التي تتغذى من بنية السلطة واللامساواة. فالتعليم الأولي، كما يبدو في أفق هذه المقاربة، ليس مجرد بداية لمسار مدرسي، بل المرآة التي تنعكس فيها كل تناقضات المجتمع: بين الريف والمدينة، الغنى والفقر، الذكر والأنثى، الرسمي والشعبي.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button