
ـ أزمة الصيدليات بين مرسوم الأدوية وشبح الإفلاس ـ
(كش بريس/التحرير)ـ تعيش الصيدليات المغربية اليوم حالة من الاختناق البنيوي غير المسبوق، انعكست بشكل مباشر في الدعوة التي وجهتها كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة الصحة يوم 9 شتنبر 2025. هذه الدعوة ليست مجرد رد فعل عابر، بل تمثل تتويجاً لمسار طويل من التوتر بين مهنيي القطاع والوزارة الوصية، نتيجة تراكمات عمرها أزيد من 15 سنة.
1. المرسوم الجديد: إصلاح مالي أم تهديد بنيوي؟
الجدل يتمحور حول المشروع الجديد للمرسوم المتعلق بمسطرة تحديد أثمنة الأدوية. فبينما يُفترض أن يكون الهدف هو تمكين المواطن من أسعار عادلة للدواء، يرى الصيادلة أن المرسوم لا يراعي التوازنات الاقتصادية للصيدليات، بل يضعها في مواجهة مباشرة مع الإفلاس.
هذا الطرح يسلط الضوء على مفارقة معقدة: فكيف يمكن للدولة أن تحقق معادلة “الدواء في المتناول” دون أن تُفقر الحلقة الأساسية في توزيعه، أي الصيدلية؟ غياب رؤية متكاملة يجعل الإصلاح يبدو وكأنه خطوة تقنية معزولة أكثر من كونه إصلاحاً هيكلياً للمنظومة.
2. التشريعات والردع: من حماية المستهلك إلى إضعاف المهني
إحدى النقاط المثارة تتعلق بالعقوبات السجنية والغرامات التي يتعرض لها الصيادلة في ظل قوانين اعتُبرت مبهمة وغير متوازنة. هذه الإجراءات قد تعكس رغبة الدولة في تشديد الرقابة على سوق حساس، لكن الصيادلة يرونها ضرباً لاستقرارهم المهني في ظل غياب أي دعم موازٍ. هنا يطرح السؤال: هل تُقوّي هذه السياسات ثقة المواطن في الدواء، أم أنها تضعف الحلقة الوسطى وتُفاقم هشاشتها؟
3. الأعطاب البنيوية: ما وراء اللحظة الاحتجاجية
بيان كنفدرالية نقابات صيادلة المغرب، الذي توصلت (كش بريس) بنسخة منه، لم يكتف بالتركيز على المرسوم الجديد، بل أشار إلى اختلالات أعمق:
- فوضى بيع الأدوية خارج المسالك القانونية.
- الانقطاعات المتكررة في السوق الوطنية.
- غياب إصلاح جدي منذ أزيد من عقد ونصف.
هذه المظاهر لا تخص الصيادلة وحدهم، بل تمس جوهر الأمن الدوائي للمغاربة، وتكشف عن غياب سياسة صحية واضحة تضع الصيدلية في قلب المنظومة بدل أن تبقيها مجرد حلقة ضعيفة.
4. قراءة في خطاب الصيادلة
لغة بيان الكنفدرالية تبقى حشدية، تستعمل مفردات مثل “الاختناق”، “الإغلاق”، “الواجب الأخلاقي”، وهي لغة تعبئة نقابية بامتياز. لكنها تفتقر إلى تفصيل بدائل إصلاحية واضحة أو مقترحات عملية تعزز الموقف التفاوضي للصيادلة أمام الوزارة.
هذا يعكس مأزقاً مزدوجاً: من جهة تعيش الصيدليات ضغوطاً مالية وتنظيمية حقيقية، ومن جهة أخرى يظل خطابها محصوراً في دائرة الاعتراض أكثر من بناء حلول.
5. نحو أي أفق؟
الأزمة الراهنة تكشف عن خلل في المقاربة الحكومية، التي تتعامل مع الدواء باعتباره مجرد سلعة يجب التحكم في ثمنها، في حين أن الدواء مكوّن استراتيجي للأمن الصحي. كما تكشف عن قصور في الرؤية النقابية التي تركز على البعد الاحتجاجي دون بلورة بدائل قابلة للتفاوض.
الحل يمر عبر إعادة تعريف دور الصيدلي في المنظومة الصحية، والانتقال من النموذج التجاري التقليدي إلى نموذج أكثر اندماجاً في السياسات العمومية للصحة.
البيان النقابي للكنفدرالية يعكس صراعاً مفتوحاً بين منطقين:
- منطق الدولة الذي يسعى لخفض تكلفة الدواء.
- ومنطق الصيدلي الذي يسعى للحفاظ على استدامة مهنته.
غياب رؤية إصلاحية شمولية يجعل من هذه الاحتجاجات تعبيراً عن أزمة عميقة في الحكامة الصحية بالمغرب، تتجاوز مجرد الخلاف حول أسعار الأدوية، لتطرح سؤالاً أكبر حول منظور الدولة لمستقبل الدواء والصيدلة كركيزة للأمن الصحي الوطني.