
(كش بريس/ التحرير)ـ
في خضم توتر اجتماعي متنامٍ، خرج المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم السبت، ببيان أكد فيه أن المظاهرات التي شهدتها عدة مدن مغربية خلال اليومين الماضيين جرت في أجواء سلمية ومنضبطة، دون تسجيل أي سلوك من شأنه المساس بالحق في التجمع السلمي. موقفٌ قرأه مراقبون بوصفه إشارة مزدوجة: إشادة بوعي المحتجين، وتأكيد على تحول في مقاربة الدولة لظاهرة التظاهر.
وجاء في بيان المجلس أن “الاحتجاجات التي شهدتها مختلف الجهات مرت في أجواء سلمية، دون تسجيل أي خروقات تمس بالحق في التجمع السلمي”، مشيرًا إلى أن ما جرى يعكس “نجاح المغاربة، محتجين وسلطات عمومية، في تفعيل التأويل الحقوقي للحق في التظاهر باعتباره مسؤولية مشتركة”.
هذا التوصيف الحقوقي، الذي قد يبدو في ظاهره تقنيًا، يطرح في العمق سؤال التحول السياسي في المغرب: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة من إدارة الفعل الاحتجاجي بميزان الحقوق بدل منطق الضبط الأمني؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استثناء ظرفيًا فرضته طبيعة الحراك الشبابي غير المؤطر حزبيًا ولا نقابيًا؟
المجلس اعتبر أن التوازن القائم بين حفظ النظام العام وضمان ممارسة الحق في التظاهر “جعل من هذه المظاهرات ممارسة فضلى للطابع السلمي للتجمعات”، مشيرًا إلى أن الأشكال الرقمية الجديدة التي رافقت الدينامية الاحتجاجية تعد “مكتسبًا من مكتسبات المسار الديمقراطي والحقوقي للمجتمع المغربي”.
ويأتي هذا الموقف بعد أسبوع من موجة احتجاجات شبابية واسعة شملت مدنًا كأكادير، القليعة ووجدة، على خلفية ما وصفه المحتجون بـ“تدهور الخدمات العمومية في قطاعي الصحة والتعليم”. وقد أسفرت بداياتها عن سقوط أربعة قتلى، وفق بلاغات رسمية للنيابة العامة، ما جعل الرأي العام يتوجس من احتمال انزلاقها إلى العنف، قبل أن تستعيد سلميتها وتنضبط لشعارها المركزي: “جيل زد 212… جيل التغيير السلمي”.
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد فعّل فرقًا جهوية ووطنية لمراقبة سير هذه الاحتجاجات وتوثيق التفاعل بين المتظاهرين والقوات العمومية، مؤكّدًا أنه يتابع الوضع ميدانيًا منذ انطلاق الدعوات إلى التظاهر عبر المنصات الرقمية في أواخر غشت الماضي.
حركة “جيل زد 212” نفسها تشكل أوسع تعبئة شبابية منذ حركة 20 فبراير عام 2011، إذ انطلقت من حادث مأساوي في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، قبل أن تتسع رقعتها لتشمل مدنًا أخرى، رافعة مطالب تتعلق بإصلاحات اجتماعية ومؤسساتية عميقة: تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، مكافحة الفساد، وضمان العدالة الاجتماعية.
لكن خلف هذا المشهد الميداني، تلوح أسئلة الراهن المغربي:
هل يستطيع هذا الجيل الرقمي أن يترجم وعيه الاحتجاجي إلى مشروع سياسي واقعي؟ وهل تتملك المؤسسات الرسمية الجرأة الكافية لتأويل “التظاهر السلمي” كآلية للمساءلة الشعبية لا كتهديد للنظام العام؟
في المقابل، يبقى التحدي الأكبر في ما إذا كان هذا “التأويل الحقوقي” الذي يشيد به المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيستمر في لحظات الأزمات، أم أنه سيظل رهين التوازنات المؤقتة بين الشارع والدولة.