
(كش بريس/التحرير)ـ يبرز البيان الصادر عن الهيئات المهنية الممثلة للأطباء والمصحات الخاصة بالمغرب، عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها منظومة التعريفة المرجعية الوطنية في القطاع الصحي، والتي لم تعرف أي تعديل أو مراجعة منذ سنة 2006. ويأتي هذا المطلب في سياق تتصاعد فيه الضغوط على الممارسين والمصابين على حد سواء، في ظل ارتفاع كلفة الخدمات الطبية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، بما يجعل العلاقة بين الطبيب والمريض وشركات التأمين تعاني خللاً بنيوياً يؤثر على العدالة الصحية وعلى مبدأ الاستمرارية في الخدمة العلاجية.
إن مطلب مراجعة التعريفة المرجعية لا يعبر فقط عن نزعة فئوية مهنية، بل عن صرخة نظام صحي متآكل لم يعد قادراً على التوفيق بين كلفة الخدمة وجودتها وإمكانية الولوج إليها. فالأسعار المعتمدة في التعويضات الطبية ما تزال تُحتسب وفق مقاييس تجاوزها الواقع الاقتصادي والاجتماعي، إذ لا وجود فعلي لاستشارة طبية بمبلغ 80 درهماً لدى الطبيب العام أو 150 درهماً لدى الطبيب الأخصائي، كما تحددها النصوص التنظيمية القديمة، مما يجعل المؤمن يتحمل الفرق المالي بين المبلغ المرجعي والتكلفة الحقيقية. هذه الفجوة، التي تصل أحياناً إلى 60 في المائة من كلفة العلاج، تحولت إلى عائق أمام التشخيص المبكر والمتابعة الدورية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأمراض وارتفاع كلفة علاجها في مراحل متقدمة.
ويرى مهنيو الصحة أن استمرار تجاهل هذا الملف يفرغ مفهوم التغطية الصحية الشاملة من جوهره، لأن المواطن الذي يعجز عن تغطية نفقات العلاج، حتى وهو مؤمَّن، يبقى عملياً خارج دائرة الاستفادة. كما ينتقد الأطباء غياب إرادة فعلية في تنزيل الاتفاق الموقع مع وزارة الصحة سنة 2020، والذي كان يفترض أن يشكل أرضية لتحديث التعريفة وفق معايير واقعية تضمن التوازن المالي والإنصاف في الولوج.
أما في ما يتعلق بالقرارات الجديدة الخاصة بطلبات العروض لاقتناء الأدوية داخل المصحات، فقد حذرت الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى رفع كلفة الرعاية الصحية وإرباك مسار العلاج، خاصة في المراكز المتخصصة مثل مراكز علاج السرطان التي تعتمد على أدوية مرتفعة الثمن. وترى أن تحميل المصحات مسؤولية شراء هذه الأدوية سيجعلها تتخلى عن هذه المهمة لصالح اتفاقيات مباشرة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصيدليات، مما يعني تقليصاً لدور المصحات إلى تقديم الخدمات العلاجية فقط دون التكفل بتدبير الأدوية.
في المحصلة، يعكس هذا البيان صراعاً هيكلياً بين منطقين: منطق اقتصادي يراعي كلفة الخدمة الصحية في سياق متغير، ومنطق إداري متجمد يصر على الالتزام بتعريفات متقادمة لا تستجيب للتحولات الراهنة. وبين هذين المنطقين يتآكل حق المواطن في العلاج الكريم والمتاح، وتتآكل معه مصداقية مشروع الإصلاح الصحي الذي ما زال، رغم الوعود، حبيس النصوص أكثر مما هو واقع في الميدان.