
(كش بريس/التحرير)ـ في مناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق، الذي يرمز في جوهره إلى الحق في الكرامة والعدالة الاجتماعية داخل فضاء الشغل، اختارت المنظمة الديمقراطية للشغل أن ترفع صوتها مجدداً ضد واقعٍ تعتبره مفعماً بالاختلالات، ومؤشراً صارخاً على عجز السياسات العمومية عن تحقيق الحد الأدنى من العدالة المهنية والاجتماعية.
ففي الوقت الذي تروّج فيه الحكومة لخططٍ وبرامج متكررة تحت عناوين “خارطة الطريق للتشغيل” و”العمل اللائق”، ترى المنظمة أن الهوة تتسع بين الخطاب والممارسة، وأن الملايير المرصودة تتبخر في مشاريع بلا أثر حقيقي في سوق العمل، الذي ما يزال أسير الهشاشة والبطالة وضعف الأجور وغياب الأمان الاجتماعي.
فبينما تتحدث الحكومة عن “خارطة طريق جديدة للتشغيل” تمتد إلى 2026، ترى المنظمة النقابية أن هذه المبادرات لا تتجاوز اللغة الإنشائية والشعارات الجوفاء، لغياب رؤية استراتيجية شاملة، ولانعدام الإرادة السياسية الكفيلة بإحداث التحول المطلوب في بنية الاقتصاد الوطني وسوق العمل.
إنّ العمل في المغرب – بحسب التقرير – يعيش وضعاً مقلقاً يتجلى في تفاقم البطالة، وتدهور شروط الشغل، وضعف الأجور أمام الغلاء المهول للمعيشة، إلى جانب إفلاس المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني. هذا الواقع المأزوم، تقول المنظمة، هو نتيجة خيارات حكومية قصيرة النفس، اتخذت طابعاً تقنياً وإدارياً أكثر من كونه إصلاحاً بنيوياً حقيقياً.
وتخصّ المنظمة بالذكر برامج “فرصة” و”انطلاقة” و”أوراش”، التي وُصفت بأنها مشاريع “معلبة” لم تلامس جوهر الإشكال البنيوي للبطالة، رغم الميزانيات الضخمة المرصودة لها، وهو ما تعتبره تبذيراً للمال العام يستوجب المساءلة والمحاسبة من طرف المجلس الأعلى للحسابات. فحتى مع رصد 14 مليار درهم لعام 2025 وتوسيع برامج التشغيل لتشمل غير حاملي الشهادات، تظلّ النتائج هزيلة، إن لم تكن منعدمة، إذ لم يُسفر “ميثاق الاستثمار” عن خلق فرص عمل مستقرة ولا عن تحقيق العمل اللائق الذي يضمن الحماية الاجتماعية والكرامة للعاملين.
ولأن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لا تبقى حبيسة الجداول والبلاغات، فإن انعكاساتها تترجم اليوم في الشارع العام من خلال حراك اجتماعي متزايد، تقوده فئة الشباب، وخاصة جيل الألفية “Z”، الذي لم يعد يطالب فحسب بفرص شغل، بل يرفع صوته في وجه الفساد والزبونية وانسداد الأفق، داعياً إلى مراجعة شاملة للسياسات التعليمية والصحية والتشغيلية في البلاد.
من هذا المنظور، لا تقف دعوة المنظمة الديمقراطية للشغل عند حدود النقد، بل تطرح أفقاً للإصلاح الممكن يقوم على تمكين الشباب، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وإدماج الاقتصاد غير المهيكل، وتعزيز الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما تشدد على تفعيل مدونة الشغل وتعزيز الرقابة، وضمان الحماية الاجتماعية الشاملة، وتطوير التكوين المهني ليواكب تحولات سوق العمل.
وفي خاتمة بلاغها التحليلي، تحذر المنظمة من أن استمرار التدهور في بيئة الشغل، وتفشي الهشاشة وغياب العدالة الاجتماعية، قد يحوّل المطالب الاجتماعية إلى موجات احتجاجية أعمق، ما لم يُتدارك الوضع عبر سياسة تشغيل وطنية جديدة تضع كرامة الإنسان العامل في صلب أولوياتها، وتجعل من العمل اللائق أساساً للتنمية وليس مجرد شعار مناسباتي.