
ـ 82% لإسرائيل و18% للسلطة… أرقام تفضح “صفقة الضم الصامت” ـ
(كش بريس/خاص)ـ منذ بداية الولاية الرئاسية لدونالد ترامب، شكّل ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إحدى أبرز ساحات إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة. وبينما ظهر للعلن مشروع “صفقة القرن” كمظلة سياسية، تكشف تقارير إسرائيلية وأمريكية متواترة عن اتفاق ضمني وغير معلن بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقضي بضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها للسيادة الإسرائيلية، لكن بطريقة “صامتة” لا تستفز المجتمع الدولي ولا تضع الحلفاء العرب في حرج مباشر.
تكتيك “التهويد السري”
صحيفة “يسرائيل هيوم” المقربة من اليمين الإسرائيلي أكدت أن نتنياهو سحب ملف فرض السيادة على الضفة الغربية من جدول أعمال جلسة حكومية حساسة، ليس رفضًا أو تراجعًا، وإنما امتثالًا لضغوط أمريكية تطلب التكتم وعدم الإعلان. الهدف هنا لم يكن منع الضم، بل تأجيل التصريحات العلنية خشية تداعيات سياسية وإعلامية قد تعقّد الحسابات الإقليمية لواشنطن.
وبالموازاة، أشارت صحيفة “معاريف” إلى أن نتنياهو أصدر تعليمات مباشرة لوزرائه بالامتناع عن التصريح حول مساعي إسرائيلية لفرض السيادة على الضفة. ويبدو أن هذه التعليمات جاءت استجابة لتفاهم غير مكتوب مع الإدارة الأمريكية، يقوم على قاعدة “الضم ممكن، لكن بصمت”، حتى لا يُحرج ترامب أمام الدول العربية المطبعة أو تلك التي تراهن واشنطن على جرّها إلى اتفاقيات مشابهة.
حسابات أمريكية دقيقة
موقع “أكسيوس” الأمريكي نقل عن المبعوث الأمريكي ويتكوف تحذيرًا صريحًا من أن الإعلان عن الضم سيضر بمصالح واشنطن الاستراتيجية، أبرزها:
- عرقلة مسار اتفاقيات أبراهام، وتعريض القادة العرب الموقعين أو المتحمسين لها لضغط شعبي داخلي متصاعد.
- إضعاف قدرة الولايات المتحدة على هندسة خطة إقليمية لما بعد الحرب على غزة، إذ سيُنظر إلى واشنطن كمنحازة بالكامل للرواية الإسرائيلية.
ورغم هذه التحذيرات، فإن مسؤولين إسرائيليين كشفوا أن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، ماركو روبيو، لم يُبدِ معارضة فعلية لمخطط الضم، مؤكداً أن إدارة ترامب لن تشكل عائقًا جوهريًا أمام هذا المشروع.
الضم بالأرقام
ما يزيد الصورة وضوحًا هو تصريح وزير المالية الإسرائيلي، الذي يقود فعليًا خطة التوسع الاستيطاني والتهويد. فقد أعلن بشكل مباشر أن إسرائيل تخطط للسيطرة على 82% من أراضي الضفة الغربية، تاركةً للسلطة الفلسطينية ما لا يتجاوز 18% من الأرض، لتشكل جيوبًا إدارية معزولة تابعة لحكومة رام الله. هذا التصريح يعكس جوهر المشروع: تفريغ الأرض من أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة.
بين السرية والعلنية
المسألة إذن لا تتعلق بما إذا كان الضم سيحدث أم لا، بل بكيفية إخراجه سياسيًا ودبلوماسيًا. إدارة ترامب، ذات التوجه الشعبوي والقومي، لم تمانع في دعم الخطوات الإسرائيلية، لكنها اختارت العمل عبر “مقاربة بطيئة” لتفادي نسف التحالفات الإقليمية الناشئة. أما نتنياهو، فوجد في هذا التوجه فرصة مثالية: تكريس واقع استيطاني على الأرض يضمن لإسرائيل السيطرة الاستراتيجية، مقابل خطاب سياسي هادئ يراعي الهواجس الدولية.
ما تكشفه هذه التسريبات ليس مجرد تكتيك انتخابي أو مناورة ظرفية، بل يعكس تحولًا استراتيجيًا في طبيعة العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية خلال عهد ترامب. لقد انتقلت واشنطن من دور “الوسيط المنحاز” إلى شريك مباشر في صياغة مشروع “التهويد الصامت”، وهو مشروع يقوم على مبدأ: “ضم بلا إعلان، واحتلال بلا ضجيج”.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لهذا التلاعب بالخطاب السياسي أن يخفي حقيقة السيطرة الميدانية؟ أم أن انفجار الوضع في الضفة والقدس سيكشف مبكرًا حدود هذا “التحالف الصامت”؟