
ـ كتب: ياسين غلمان ـ
أضحت الكوارث الطبيعية في المغرب جزءًا من واقع متغير تفرضه التحولات المناخية والجغرافية، ولم تعد أحداثًا معزولة أو ظرفية، بل محطات كاشفة لمدى جاهزية الدولة والمجتمع ومجموع المتدخلين في منظومة تدبير المخاطر من وزارات و جماعات ترابية وقطاع خاص و مجتمع مدني، وقد أعاد كل من زلزال الحوز، الذي هزّ مناطق واسعة من وسط البلاد، وفيضانات آسفي التي خلّفت خسائر مادية وبشرية مؤلمة، طرح سؤال جوهري حول فعالية منظومة تدبير الكوارث بالمغرب، وحدود تنزيل السياسات العمومية المعتمدة في هذا المجال.
شكّل زلزال الحوز صدمة وطنية عميقة، ليس فقط بسبب قوته وما خلفه من ضحايا ودمار، بل لأنه كشف مرة أخرى عن هشاشة البنيات التحتية و الاستعداد المسبق لمجابهة مثل هذه الكوارث خصوصا في المناطق القروية والجبلية، حيث ما تزال أنماط البناء التقليدي تفتقر إلى شروط السلامة والقدرة على مجابهة مثل هذه المحطات الصعبة، وقد أبانت هذه الفاجعة عن فجوة واضحة بين المقتضيات القانونية والمعايير الهندسية من جهة، وواقع الممارسة والبناء العشوائي من جهة أخرى، كما أبرزت الإكراهات المرتبطة بصعوبة الولوج إلى المناطق المتضررة، وتأمين التدخل السريع، وضمان الإنقاذ والإغاثة في ظروف جغرافية معقدة.
ورغم ما طبع التدخل الرسمي من تعبئة واسعة لمختلف المصالح الأمنية والعسكرية والوقاية المدنية، فإن الزلزال أعاد النقاش حول محدودية آليات الوقاية الاستباقية، وضعف ثقافة الاستعداد لمثل هذه الكوارث لدى الساكنة والجمعيات المحلية، خاصة في المناطق الهشة، كما سلط الضوء على الحاجة الملحة إلى إدماج المخاطر الزلزالية ضمن سياسات السكن والتنمية القروية وأخذهم بعين الاعتبار ضمن برامج عمل الجماعات المهددة بمثل هذه المخاطر، بدل الاقتصار على المعالجة بعد وقوع الكارثة.
وفي سياق موازٍ، جاءت فيضانات آسفي لتؤكد أن الخطر لا يكمن دائمًا في الظواهر الطبيعية ذات الطابع الاستثنائي، بل في كيفية تدبير المجال والعمران. فقد تحولت التساقطات المطرية القوية إلى كارثة حقيقية بسبب اختلالات بنيوية في شبكات تصريف المياه، واستمرار التوسع العمراني غير المنضبط في مناطق منخفضة أو بمحاذاة مجاري الأودية، وهو ما يبرز أن جزءًا كبيرًا من الكلفة الإنسانية والمادية للكوارث يعود إلى ضعف التخطيط الحضري، وقصور الصيانة، وتجاهل الدراسات القبلية للمخاطر.
إن واقع تدبير الكوارث في المغرب يعكس مجهودات لا يمكن إنكارها، سواء من حيث تطوير قدرات التدخل، أو تعزيز التنسيق بين المتدخلين، أو تجسيد قيم التضامن الوطني في لحظات الأزمات، غير أن هذه المجهودات تظل في كثير من الأحيان ذات طابع تفاعلي موسمي، تغلب عليها المقاربة العلاجية أكثر من الوقائية، وهو ما يحدّ من نجاعتها على المدى المتوسط والبعيد، ويجعلنا، بين كل كارثة وأخرى، أمام أسئلة عميقة حول مدى استيعاب دروس الخسائر الفادحة التي خلّفتها.
وتفرض التجارب المؤلمة التي خلفها زلزال الحوز وفيضانات آسفي التفكير في نموذج جديد لتدبير المخاطر يتبنى المقاربة التشاركية، ويقوم على الانتقال من منطق رد الفعل إلى منطق الاستباق، ومن التدبير الظرفي إلى التخطيط المندمج والمستدام، كما يقتضي هذا التحول تعزيز البحث العلمي في مجال المخاطر الطبيعية، وتفعيل آليات الحكامة الجيدة، وتحميل المسؤولية لكل الفاعلين في ما يتعلق باحترام قوانين التعمير والبناء، إلى جانب ترسيخ ثقافة الوقاية والوعي المجتمعي ونشر ثقافة التعامل مع مخاطر الكوارث.
إن الكوارث الطبيعية، مهما بلغت شدتها، تظل ظواهر لا يمكن التحكم فيها، غير أن حجم الخسائر التي تخلفها يظل مرتبطًا بشكل وثيق بمدى جاهزية المجتمع ومؤسساته، وبين زلزال الحوز وفيضانات آسفي، تتجدد القناعة بأن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في سرعة التدخل بعد وقوع الكارثة، بل في بناء منظومة وطنية متكاملة قادرة على تقليص المخاطر، وحماية الأرواح، وضمان تنمية أكثر أمانًا وعدالة مجالية.



