‏آخر المستجدات‏المرأة وحقوق الانسان

تقرير “النساء والسلام والأمن” يكشف ملامح التقدم والقصور في التجربة المغربية

ـ قراءة في موقع المغرب ضمن التصنيف الدولي 2025/2026 ـ

(كش بريس/التحرير)ـ

بين التقدّم النسبي واستمرار الفجوات البنيوية:

جاء تصنيف المغرب في المرتبة 102 عالميا من أصل 181 دولة وفق “مؤشر النساء والسلام والأمن 2025/2026” الصادر عن معهد جورجتاون للنساء والسلام والأمن بالتعاون مع معهد أوسلو لأبحاث السلام، ليكشف صورة مركّبة لوضع النساء في البلاد: تحسّن طفيف في المؤشرات الكمية، يقابله استمرار فجوات هيكلية في العدالة والمشاركة والأمن الإنساني.

فالمغرب سجّل نتيجة إجمالية بلغت 0.668 على مقياس من 0 إلى 1، أي أقل بقليل من المتوسط العالمي البالغ 0.650، وأعلى من المتوسط الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (0.536).

هذه النتيجة، وإن بدت إيجابية نسبياً، تضع المغرب في الشريحة الوسطى الدنيا عالمياً، ما يعني أن التقدّم المحقق ما زال هشاً وغير مؤسَّس بعد على تحول هيكلي في تمكين النساء من الحقوق والفرص.

أولاً: في بُعد الإدماج – فجوة مستمرة بين التعليم والعمل:

يبرز التقرير أن المغرب ما زال يعاني من ضعف الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للنساء، رغم التطور النسبي في مؤشرات التعليم والاتصال. فمتوسط سنوات الدراسة للنساء لا يتجاوز 5.3 سنوات، في حين لا تتعدى مشاركتهن في سوق العمل 21.3%، وهي من أدنى النسب في المنطقة. كما أن ثلث النساء فقط يمتلكن حساباً بنكياً أو وسيلة مالية رسمية (32.7%)، مقابل معدل عالمي يقارب 70%.

هذه الأرقام، من منظور حقوقي، تشير إلى استمرار التمييز غير المباشر في بنية الاقتصاد، حيث ما تزال مشاركة النساء مرتبطة بقطاعات غير مهيكلة، وبقيود اجتماعية واقتصادية تحدّ من ولوجهن المتكافئ للفرص.

ومع ذلك، يسجل التقرير مؤشراً مشجعاً في الوصول إلى التكنولوجيا: 82% من النساء يمتلكن هاتفاً محمولاً، وهو رقم قريب من المتوسط الدولي، ما يعكس اتساع المجال الرقمي بوصفه فضاء جديداً للمواطنة والمشاركة.

أما على مستوى التمثيل السياسي، فالمغرب حقق نسبة 21.4% من النساء في البرلمان، متجاوزاً المعدل الإقليمي، لكنه ما زال دون السقف العالمي (26%). وهو ما يطرح تساؤلاً حقوقياً حول فعالية نظام الكوتا الانتخابية ومدى ترجمته لتمكين فعلي للنساء في القرار التشريعي والحكومي.

ثانياً: في بُعد العدالة – بين النص القانوني وروح المساواة:

في محور العدالة، منح التقرير المغرب درجة 75.6 من أصل 100 في مؤشر غياب التمييز القانوني ضد النساء، مستنداً إلى بيانات البنك الدولي.

هذه النتيجة تعكس وجود إطار تشريعي متقدّم نسبياً، لكنه ما يزال يضم ثغرات تتعلق بالأحوال الشخصية والميراث والعمل، حيث لا تترجم المساواة الدستورية إلى مساواة فعلية أمام المؤسسات.

أما في مؤشر الوصول إلى العدالة، فحصل المغرب على 3 من 4 نقاط، وهو معدل متوسط مقارنة بدول الجوار، لكنه يثير تساؤلات حول فعالية القضاء في إنصاف النساء ضحايا العنف أو التمييز، خصوصاً في المناطق القروية التي ما تزال تشكو ضعف البنية القضائية والخدمات الاجتماعية.

وفي ما يخص الصحة الإنجابية وحقوق الحياة، بلغ معدل وفيات الأمهات 70 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، وهو رقم أدنى من المتوسط الإقليمي، لكنه بعيد عن مستويات الدول ذات التنمية العالية، مما يبرز الحاجة إلى سياسات أكثر استدامة في الرعاية الصحية والمجالية.

ثالثاً: في بُعد الأمن – استقرار سياسي مقابل هشاشة مجتمعية:

رغم أن المغرب يُعدّ من أكثر دول المنطقة استقراراً، إلا أن المؤشرات الأمنية المرتبطة بالعنف الأسري تظل مقلقة.

فـ 10.5% من النساء صرحن بتعرضهن لعنف جسدي أو جنسي من شريك حميم خلال السنة السابقة للمسح، حسب بيانات الأمم المتحدة.

وفي المقابل، عبرت 57% فقط من النساء عن شعورهن بالأمان أثناء السير ليلاً في محيط سكنهن، ما يشير إلى أن مفهوم الأمن الإنساني للنساء لا يتطابق بالضرورة مع الأمن السياسي أو المؤسسي.

من الجانب الإيجابي، لم يسجل التقرير أي حوادث عنف سياسي ضد النساء، ولا توجد نساء يعشن قرب مناطق نزاع، ما يجعل المغرب من الدول القليلة في المنطقة التي تجمع بين الأمن الجغرافي والاستقرار السياسي.

رابعاً: البعد الإقليمي – مفارقات العالم العربي:

إقليمياً، وضع التقرير المغرب في فئة الأداء المتوسط ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي ثالث أسوأ منطقة عالمياً بعد إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا.

وتبرز المفارقة الكبرى في اتساع الفجوة العربية بين الإمارات (0.872) واليمن (0.323)، أي بفارق يزيد على نصف نقطة كاملة.

ويشير هذا التفاوت إلى أن المسألة النسائية في المنطقة لم تعد مجرد قضية تشريعية أو تعليمية، بل قضية استقرار سياسي واجتماعي، حيث تميل الدول المستقرة إلى أداء أعلى في مؤشرات العدالة والمساواة.

وفي هذا السياق، يظل المغرب نموذجاً انتقالياً: فهو ليس ضمن الدول المتقدمة في المساواة، ولا من الدول الهشة أمنياً، بل في موقع وسط يحاول فيه الإصلاح الحقوقي أن يسبق التحول الاجتماعي.

خامساً: القراءة الحقوقية – بين النص والإرادة السياسية:

من زاوية حقوقية خالصة، يبرز التقرير ثلاث ملاحظات رئيسية بشأن الحالة المغربية:

وجود تقدم كمي دون تحول نوعي: فالتحسن في بعض المؤشرات يعكس سياسات ظرفية أكثر مما يعكس تحولاً هيكلياً في بنية العدالة الاجتماعية.

الهوة بين الإطار القانوني والتطبيق الميداني: رغم التنصيص الدستوري على المساواة وتفعيل آليات مثل هيئة المناصفة، إلا أن التنفيذ ما يزال متعثرًا بسبب ضعف الموارد وغياب التنسيق المؤسساتي.

أهمية المقاربة التشاركية: نجاح أي إصلاح مستقبلي في المساواة الجندرية يستوجب إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص والنقابات في صياغة سياسات الإدماج والتمكين.

من المؤشرات إلى الإصلاحات:

إن تصنيف المغرب في المركز 102 لا يمثل مجرد رقم في سلم دولي، بل مؤشراً على مستوى العدالة الجندرية وعمق الديمقراطية الاجتماعية. فكلما تعزز موقع النساء في التعليم والعمل والقرار، اتسعت قاعدة الاستقرار والازدهار في المجتمع.

وبينما يقر التقرير بجهود المملكة في الإصلاحات القانونية والمؤسساتية منذ 2011، فإنه يذكّر أيضاً بأن المساواة الحقيقية لا تتحقق بالتشريع فقط، بل بتغيير الثقافة والسياسات العامة.

ومن هذا المنظور، فإن التحدي الأكبر أمام المغرب في السنوات المقبلة يتمثل في تحويل المكتسبات الحقوقية إلى واقع ملموس في حياة النساء، خصوصاً في القرى والهامش الاقتصادي والاجتماعي.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button