
(كش بريس/التحرير)ـ يُبرز تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية بمجلس النواب حول تقييم برامج محو الأمية بعداً استراتيجياً في مقاربة التنمية البشرية الشاملة، من خلال الانتقال من رؤية تقنية ضيقة إلى تصور قيمي وتنموي متعدد الأبعاد. إذ لا يقتصر الأثر على محو الجهل بالقراءة والكتابة، بل يمتد إلى ترسيخ تحولات نوعية في أدوار النساء، وتعزيز التمكين الاجتماعي والاقتصادي، وتطوير الكفايات الرقمية والصحية للمستفيدين، ما يجعل من محو الأمية أداة لإعادة بناء الذات الفردية والجماعية على أسس العدالة والمواطنة الفاعلة.
لكن التقرير، رغم نبرته الإيجابية في إبراز المكاسب الرمزية والاجتماعية، يسلط الضوء على مفارقة بنيوية بين النتائج المتحققة والنجاعة المنشودة. فبرامج محو الأمية، بحسب معطياته، لم تبلغ بعد أهدافها الكمية المتمثلة في تقليص نسب الأمية، رغم الموارد المالية والبشرية المخصصة. ويعود ذلك إلى ضعف منظومة الحكامة والتنسيق بين الفاعلين، وهشاشة الصيغ التعاقدية مع الجمعيات، وغياب رؤية واضحة لتوزيع الالتزامات المالية بين القطاعات الشريكة.
إن الدعم المالي المحدود (350 درهما للفرد في المستوى الأول و500 في المستوى الثاني) يكشف عن اختلال في منطق الاستثمار في الإنسان؛ إذ ما زالت مقاربة التمويل تنظر إلى برامج محو الأمية باعتبارها نشاطاً تكميلياً لا مشروعاً استراتيجياً لإعادة بناء الرأسمال البشري. كما أن تأخر التعويضات، وضعف التحفيزات، وغياب إطار دائم للمؤطرين، كلها عناصر تُفرغ البرامج من حمولتها التمكينية، وتحول دون استدامة أثرها الاجتماعي والتربوي.
أما في ما يتعلق ببرامج محو الأمية بالمساجد، فيبرز التقرير طابعها المستقر من حيث الاعتمادات المالية، لكنه يقر في المقابل بوجود إكراهات مهنية ومعنوية تطال المؤطرين والمشرفين، مع غياب نظام تحفيزي وإدماجي مستدام. وهو ما يضع سؤال التكامل بين البعد الديني والتربوي في قلب النقاش حول فعالية هذه البرامج وقدرتها على تجاوز الإطار التقليدي للمبادرات الموسمية.
من زاوية نقدية، يمكن القول إن التقرير يعيد طرح إشكالية فلسفة محو الأمية ذاتها: هل يتعلق الأمر بمحو للأمية الأبجدية فحسب، أم بمحو أوسع للجهل الاجتماعي والمعرفي والرقمي؟ فحين تتحول محاربة الأمية إلى معركة من أجل الكرامة والمواطنة، يصبح الرهان الحقيقي هو الانتقال من محو الأمية إلى بناء الوعي، أي من مشروع للتعليم القاعدي إلى مشروع للتحرر الإنساني.
إن برامج محو الأمية في المغرب، رغم ما راكمته من مكاسب جزئية، ما تزال رهينة تشتت الجهود وغياب الإرادة السياسية القوية لتأطيرها ضمن رؤية تنموية مندمجة. فالمعركة ضد الأمية ليست تقنية أو محاسبية، بل هي رهان حضاري وأخلاقي على قدرة المجتمع على الاستثمار في الإنسان بوصفه محور كل تنمية مستدامة.