‏12 ‏جهة‏آخر المستجدات

تقرير وسيط المملكة يكشف الأعطاب الخفية في تدبير القطاع الصحي

(كش بريس/ التحرير)ـ كشفت مؤسسة وسيط المملكة، عقب تحليل معمّق لسلسلة من التقارير والوثائق الصادرة عن هيئات مؤسساتية معنية بالحكامة الصحية، أن منظومة العرض الصحي في المغرب ما تزال ترزح تحت اختلالات هيكلية معقدة تعيق قدرتها على الاستجابة الفعّالة لحاجيات المواطنين.

وجاء في تقريرها الصادر حديثًا ضمن سلسلة وثائق “منتديات الحكامة المرفقية”، والموسوم بـ “حكامة القطاع الصحي بالمغرب.. تشخيصات مؤسساتية وتوصيات للإصلاح”، أن النموذج المركزي الذي حكم التنظيم الصحي لعقود بات عاجزًا عن مواكبة التحولات الديمغرافية وارتفاع الطلب على الرعاية، فيما لم ينعكس التقسيم الجهوي على توزيع عادل للموارد البشرية واللوجستية.

وأبرز التقرير أن مختلف الهيئات تجمع على أن ضعف التنسيق بين المستويات الترابية للمنظومة الصحية يُعد سببًا رئيسيًا للهدر وتراجع النجاعة، بالنظر إلى ما ينتجه من تكرار في الإجراءات، وتشتت في المسؤوليات، وغياب لمساطر مساءلة واضحة.

واعتمد التقرير في خلاصاته على تحليلات مؤسسة الوسيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتقرير مجموعة العمل الموضوعاتية بمجلس النواب، إضافة إلى مساهمات المجتمع المدني عبر تقييم جمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وتؤكد هذه الوثائق، بحسب التقرير، أن التمويل الصحي يمثل الحلقة الأضعف داخل منظومة الحكامة، سواء بسبب محدودية الميزانية العمومية المخصصة للقطاع، أو بفعل غياب آليات تمويل مرتبطة بالأداء وجودة الخدمات.

وأشار التقرير كذلك إلى توصية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بضرورة إعادة هيكلة نظام التمويل على أساس نموذج مختلط يجمع التمويل العمومي والمساهمات التضامنية والتدبير التعاقدي، مرفوقًا بمنظومة دقيقة للمراقبة والمساءلة. وفي المقابل، أبرزت مؤسسة الوسيط—استنادًا إلى تظلمات المواطنين—أن التعقيد الإداري والمالي يشكّل حاجزًا كبيرًا أمام الاستفادة من التعويضات وحقوق التغطية الصحية، ما يجعل تبسيط المساطر وتتبع الآجال إلكترونيًا ضرورة إصلاحية مستعجلة.

كما أظهرت الشكايات والتقارير الميدانية وجود اختلالات واضحة في حكامة الموارد البشرية؛ فالعجز في الأطر الطبية وشبه الطبية لا يقتصر على العدد، بل يشمل غياب تحفيز حقيقي للعاملين في المناطق الهشة، إلى جانب تفاوتات صارخة في توزيع الكفاءات بين المركز والجهات.

وأشار الوسيط إلى أن نظام المعلومات الصحية ما يزال غير مؤهل بالشكل المطلوب لدعم القرار العمومي بمعطيات دقيقة ومحينة، نتيجة ضعف الشفافية في نشر المؤشرات، وندرة البيانات المفتوحة حول الأداء، وهو ما يحد من إمكانيات التقييم والمساءلة المجتمعية.

وتتفق جميع الوثائق، كما يؤكد التقرير، على أن الحق في الصحة لا يتحقق فقط بالبنيات والميزانيات، بل بثقافة مرفقية جديدة تُعيد بناء جسور الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية. تقوم هذه الثقافة على الكرامة والإنصاف والمسؤولية المشتركة، وتقتضي انتقال الإدارة الصحية من منطق تقديم الخدمة إلى منطق المواكبة والحماية.

وفي هذا السياق، يُبرز التقرير أن الوساطة المؤسساتية تشكل ركيزة أساسية لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة في مجال الصحة، عبر الانتقال من معالجة الشكايات الفردية إلى إرساء آليات دائمة للإنصات والتصحيح الممنهج.

وبناء على تقاطع خلاصات مختلف التقارير، خلصت مؤسسة الوسيط إلى أن الإصلاح الصحي لا يُقاس بعدد البرامج والمشاريع، بل بعمق التحول في نماذج الحكامة. فعندما يربط المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التمويل بالجودة، ويؤكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان فعلية الحق في الصحة، ويحوّل الوسيط الشكايات إلى معرفة معيارية، ويقدم المجتمع المدني تقييمه المنبثق من الميدان، فإن ما يتشكل في الخلفية هو تصور جديد للدولة باعتبارها فاعلًا تعلّميًا، يتعلم من المواطنين بقدر ما يُؤطّرهم، ويعيد بناء الثقة عبر الأثر الملموس والفعل المؤسسي.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button