
(كش بريس/وكالات)ـ تحليل كش بريس
في خطوة وُصفت بأنها تحول تاريخي في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، أعلنت كل من بريطانيا وأستراليا وكندا، الأحد، اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في تزامن لافت مع انعقاد الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لتفتح بذلك صفحة سياسية جديدة تتجاوز عقودًا من الحذر والتردد الغربي تجاه الاعتراف بالسيادة الفلسطينية.
تحوّل بريطاني له رمزية خاصة
أبرز المحطات جاءت من لندن، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في كلمة متلفزة: “اليوم، لإحياء الأمل بالسلام للفلسطينيين والإسرائيليين، تعلن المملكة المتحدة رسميا الاعتراف بدولة فلسطين”.
يحمل القرار البريطاني وزنًا رمزيًا مضاعفًا؛ فالمملكة المتحدة لعبت قبل قرن الدور الأكثر حساسية في نشأة دولة إسرائيل، بدءًا من وعد بلفور عام 1917 وصولًا إلى الانتداب البريطاني على فلسطين. وبالتالي يُقرأ الاعتراف الجديد على أنه محاولة لتصحيح مسار تاريخي وإعادة التموضع في منطقة تزداد تعقيدًا بعد حرب غزة المستمرة منذ أكتوبر الماضي.
أستراليا وكندا تكملان المشهد
وفي كانبيرا، أكد رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي اعتراف بلاده، مشددًا على أن هذه الخطوة تأتي “لدفع زخم حل الدولتين ووقف إطلاق النار في غزة”، مع تأكيد أن حركة “حماس” لن يكون لها أي دور في الكيان الفلسطيني.
أما في أوتاوا، فأوضح رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن الاعتراف “يأتي انسجامًا مع مبادئ تقرير المصير وحقوق الإنسان”، مؤكدًا أن السلطة الفلسطينية التزمت أمام كندا بإصلاحات ديمقراطية، منها انتخابات عامة عام 2026 ونزع السلاح، وهو ما اعتبره محللون محاولة لربط الاعتراف بخارطة طريق سياسية واضحة.
ترحيب فلسطيني واسع
قوبلت هذه القرارات بترحيب رسمي فلسطيني، حيث وصف الرئيس محمود عباس الخطوة بأنها “ضرورية لتحقيق سلام عادل ودائم”، فيما اعتبرها حسين الشيخ “يومًا تاريخيًا وانتصارًا دوليًا للحق الفلسطيني”. وأكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن هذا الاعتراف “يقرّب حلم السيادة والاستقلال ويثبت حل الدولتين كخيار لا رجعة فيه”.
غضب إسرائيلي ودعوات لضم الضفة
في المقابل، فجّر الاعتراف موجة غضب غير مسبوقة داخل الحكومة الإسرائيلية. فقد اعتبر وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير أن الرد “يجب أن يكون بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية”، فيما ذهب وزير آخر إلى حد إنكار وجود شعب فلسطيني. أما وزارة الخارجية الإسرائيلية فوصفت الاعتراف بأنه “مكافأة لحماس” و”ثمرة لمجزرة 7 أكتوبر”، داعية العواصم الغربية إلى التراجع.
أبعاد جيوسياسية أوسع
يرى محللون أن هذه الخطوة تتجاوز كونها رمزية، إذ تشكل ضغطًا متزايدًا على حكومة بنيامين نتنياهو التي تواجه انتقادات دولية بسبب حرب غزة وحصار القطاع. كما تفتح الباب أمام تكتل دولي جديد لدعم الاعتراف بفلسطين، خاصة أن أكثر من 140 دولة سبق أن قامت بذلك، لكن من خارج الدائرة الغربية المؤثرة.
وتتزامن هذه التطورات مع تحولات في الرأي العام الغربي، إذ تظهر استطلاعات في بريطانيا وكندا وأستراليا تعاطفًا شعبيًا متناميًا مع الفلسطينيين، خصوصًا بعد صور الدمار في غزة، ما يعزز فرضية أن الحكومات الثلاث استجابت أيضًا لضغوط داخلية.
مستقبل عملية السلام
رغم الاحتفاء الفلسطيني، يدرك الجميع أن الاعتراف لا يعني تلقائيًا قيام الدولة الفلسطينية على الأرض. فإسرائيل ما زالت تسيطر على الضفة الغربية وتحاصر غزة، فيما الانقسام الداخلي الفلسطيني لم يُحسم بعد. لكن الخطوة، وفق خبراء القانون الدولي، قد تمنح الفلسطينيين أدوات أقوى في الأمم المتحدة والمحافل القضائية الدولية، وتعيد إحياء فكرة حل الدولتين التي كانت توصف بأنها تحتضر.
بهذا الاعتراف الثلاثي، تبدو المعادلة الإقليمية مقبلة على مرحلة جديدة: حليف تقليدي لإسرائيل يعيد النظر في ثوابته، ورام الله تكسب دعمًا غير مسبوق من دول “الوزن الثقيل” في الغرب، فيما تجد تل أبيب نفسها أمام تحدٍ دبلوماسي قد يعيد رسم ملامح الصراع، ويضغط نحو تسوية سياسية لم تعد مجرد شعار على ورق.