
(كش بريس/وكالات)ـ أطلق الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو خطاباً نارياً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً إلى تشكيل قوة عسكرية دولية “لتحرير فلسطين”، في موقف غير مسبوق من زعيم دولة أميركية لاتينية بهذا المستوى. اعتبر بيترو أنّ ما يجري في غزة يرقى إلى “إبادة جماعية”، وحثّ دول الجنوب العالمي على تجاوز بيانات التنديد إلى فعل عملي يغيّر موازين القوة.
دعوة إلى “جيش عالمي”
في كلمته، أعلن بيترو: “نحن بحاجة إلى جيش قوي من الدول التي لا تقبل الإبادة الجماعية… يجب أن نحرر فلسطين”. واستحضر رموزاً تاريخية كبرى، داعياً جيوش آسيا، والشعب السلافي الذي هزم هتلر، وجيوش بوليفار في أميركا اللاتينية إلى التوحد، ورافعاً شعار “الحرية أو الموت” على غرار قادة التحرر في القرن التاسع عشر. هذه اللغة، المفعمة بالإيحاءات الثورية، أعادت إلى الأذهان أدبيات حركات التحرر العالمية في ذروة الحرب الباردة.
انتقاد حاد للغرب
لم يكتفِ الرئيس الكولومبي بالدعوة إلى تحرك عسكري، بل وجّه سهام النقد مباشرة إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، متهماً إياهم بـ“قتل الديمقراطية” و“إحياء الاستبداد والشمولية على نطاق عالمي”. هذا الموقف فجّر توتراً في القاعة، إذ غادر وفد واشنطن قاعة الجمعية العامة احتجاجاً على تصريحاته، في مشهد يعكس حجم الاستفزاز الذي أثاره خطابه.
تلاقٍ مع أصوات أخرى
تزامنت دعوة بيترو مع تصريح مماثل للرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، الذي أعلن استعداد بلاده لإرسال 20 ألف جندي ضمن قوة دولية لحفظ السلام أو لدعم المدنيين في غزة. هذا التقاطع يعكس تحولاً تدريجياً في خطاب الجنوب العالمي، من مجرد الإدانة إلى التلويح بتحركات ميدانية، ولو على مستوى الخطاب الرمزي.
موجة تمرّد في الجنوب العالمي
خطاب بيترو يمكن فهمه على مستويين:
- رمزية ثورية: يستحضر تراث سيمون بوليفار ونضالات التحرر اللاتيني ليمنح الصراع الفلسطيني بعداً كفاحياً يتجاوز الحدود الجغرافية.
- ضغط سياسي: يوجّه رسالة مزدوجة إلى واشنطن وإلى الرأي العام الدولي بأن صبر الجنوب العالمي بدأ ينفد، وأنّ لغة القوة قد تعود إلى طاولة النقاش إذا استمرت المجازر بلا رادع.
لكن، ورغم قوة المفردات، تبقى دعوة بيترو إلى “جيش عالمي” أقرب إلى صرخة احتجاج منها إلى خطة عملية، نظراً لتعقيدات التوازنات الدولية واستحالة قيام تحالف عسكري أممي خارج تفويض مجلس الأمن. ومع ذلك، فقد حقق خطابه هدفاً أساسياً: كسر رتابة البيانات الدبلوماسية التقليدية، ووضع مأساة غزة في قلب المنبر الأممي بلهجة لا تقبل المساومة.
في نهاية المطاف، يعبّر موقف الرئيس الكولومبي عن تصاعد موجة تمرّد في الجنوب العالمي، ترى أن النظام الدولي الراهن عاجز عن إنصاف الشعوب المقهورة، وأن لحظة إعادة تعريف العلاقات بين الشمال والجنوب قد تكون أقرب مما يتصور صناع القرار في العواصم الكبرى.