
كتب د حسن الطالب: من “حكايات من الهامش”
ليس حديثنا اليوم عن البشر، فقد مللنا من أخبار مصائب البشر وأخبار لصوص المال العام وذاك الذي اقتطع لزوجته بقعة أرضية مخصصة لتعليم أولاد الشعب فتحولت بقدرة قادر إلى مشروع تجاري بإنزكان. حديثنا عن كلبة ضالة، جالت شوارع زاكورة، تائهة بين الغبار والجوع، قبل أن تتحوّل فجأة إلى نجمة هوليوودية بفضل زوجين بريطانيين عثرا عليها وهي تركض وراء دراجتيهما.
ثمانون كيلومترا،من الجري،كأنها بطلة ماراثون، بإصابات في قوائمها. لكن الحظ ابتسم: بريطانيا رأت ما لم يره أبناء المنطقة. أُخذت الكلبة إلى مركز إنقاذ، لُقِّحت، عُولجت، مُنحت جواز سفر، وحلّقت إلى بلاد الضباب. هذه الواقعة يمكن أن تقرأ من عدة زوايا: الأولى تلك السرعة التي تحولت بها الكلبة من مجرد حيوان مغربي متشرد إلى “مواطنة” أنجليزية في بريطانيا، فمن كلبة تجري وراء السائحة في دراجتها إلى حيوان تظهر عليه مظاهر الفرح والحنان والعطف مما يحيلنا مباشرة إلى الزاوية الثانية وهي مقارنة الوضع الصحي “عندنا وعندهم” وقد وجدها بعض المدونين فرصة للمقارنة بين الإنسان المغربي الذي يطالب بأقل الخدمات في المستشفيات العمومية وحالة التدهور التي وصلت اليها الخدمات الصحية في كبريات المستشفيات الوطنية وآخرها تلك الوقفة التاريخية التي نظمتها البارحة الأحد هيئات حقوقية ومدنية أمام مستشفى الحسن الثاني . بالمقابل ظهرت الكلبة تُعالَج في مصحة أوروبية بأحدث الأمصال والأدوية.
مدونون مغاربة استنتجوا ما يلي: الإنسان هنا يُعتبر عبئا على المنظومة، والكلبة هناك استثمارا في صلة الرحم. الزاوية الأخيرة هي كيف تحولت الكلبة إلى أيقونة حيث كان يمكن أن تبقى مجرد كلبة ضالة في زقاق، يطاردها الأطفال بالحجارة، أو يسبّها البعض. لكن كاميرا بريطانية حوّلتها إلى أيقونة للإنسانية.والسؤال: كم من بشرٍ في زاكورة لم يرهم أحد؟ لم تلمع صورتهم على إنستغرام؟ لم تمنحهم أوروبا فرصة حياة جديدة؟إنها صورة تُغني عن ألف محاضرة. فقد انتشرت الفيديوهات وهي تظهر الكلبة نظيفة، مبتسمة، في حضن أسرة جديدة، مقابل صورتها القديمة: جوع، غبار، ندوب. ما بين الصورتين، ليس الفرق في الكلبة، بل في المنظومة، نعم في المنظومة برمتها: هناك تُعطى قيمة للحياة، وهنا تُترك الحياة للمصادفة
إن واقعة الكلبة التي تحولت إلى أيقونة في وسائل التواصل
الاجتماعي لتغني حقا عن ألف محاضرة وألف خطبة سياسية وألف نشرة إخبارية.
الطريف في الأمر أن هناك فيديو آخر انتشر اخيرا يظهر حمارا صغيرا وهو يجري خلف سائح بدراجته هو ايضا والسائح يصحك معلقا قائلا: “ما الذي يحدث..طيب هيا سنذهب باتجاه طنجة” ،فما الذي حدث لحيوانات المغرب؟ سؤال جدير بأن يطرح حقا.. ….