
(كتب: حسن طالب من آكادير)ـ اهتزّت ساكنة أكادير وأنزكان هذا الأسبوع على وقع مصيبتين تشيب لهما الولدان كما يقال. الأولى ما وقع في مستشفى الحسن الثاني .والثانية فضيحة عامل عمالة إنزكان أيت ملول وسنعود أليها لاحقا. فـ”عروس المدن السوسية” لم يعد فيها مستشفى الحسن الثاني مستشفى، بل صار مسرحا عبثيا يُعرض فيه يوميا فصل جديد من مسرحية عنوانها “من دخل ممراته فهو آمن… إلى المقبرة”.
آخر المشاهد؟ ست نساء حوامل، حملن الحياة في أرحامهن، فسلّمن الروح دفعة واحدة. مأساة جعلت المستشفى يتصدر قائمة “المستشفيات الأكثر التزاما بمواعيد الموت”، من دون أي منافس.
ونسأل بمرارة ساخرة: كيف لحزبٍ يتباهى بقيادة “مملكة ممتدة الأطراف” أن يعجز عن قيادة مستشفى لا يتسع حتى لأطراف سرير واحد؟ كيف لعاصمة الجنوب أن تتحول إلى عاصمة الإهمال، فيما المسؤولون يوزّعون الابتسامات والوعود في نشرات الأخبار وكأنهم يتحدثون عن مدينة في كوكب آخر؟
أما وزارة الصحة، فحدّث ولا حرج؛ تركت المستشفى يشتغل بنظام “التجريب الحر”: لا تجهيز، لا مراقبة، لا محاسبة… فوضى مُقننة أشبه ببرنامج واقعي لإنتاج “الإحصاءات السوداء”.
رحيل ست نساء في يوم واحد ليس رقما باردا في تقرير رسمي، بل جرس إنذار يدقّ في أذن كل مسؤول ينام قرير العين، لكنه لا يسمع إلا صدى خطاباته الانتخابية. الأمم تُقاس بصحتها وتعليمها، وإذا كان التعليم عندنا يئنّ، فالصحة عندنا تُحتضر. فأي تقدم هذا الذي نتغنّى به، ونحن نسابق غيرنا فقط نحو قاع التصنيفات؟
المفارقة الصارخة أن أكادير تتهيأ لاستقبال منافسات كأس إفريقيا وكأس العالم، فتُرصّف الشوارع وتُزيّن الواجهات، بينما مستشفاها الأكبر يتحول إلى “مستشفى الموت”. أي رسالة يبعثها المسؤولون؟ الرسالة واضحة: المواطن البسيط الذي لا يملك ثمن العلاج عليه أن يتدبر أمره في القطاع الخاص، أما من قصد مستشفيات الدولة فليستعد للحياة أو الموت… على الحظ!
وفاة النسوة الست ليست حادثا عرضيا، بل جريمة مكتملة الأركان، يجب أن يُحاسَب عنها كل مسؤول مباشر، من مدير المستشفى إلى وزير الصحة. أقل الإيمان أن يُقدّما استقالتهما قبل أن يقدّم الرأي العام شهادتهما إلى التاريخ.
إن كانت هذه الدولة فعلاً راعية لمواطنيها، فعليها أن تثبت ذلك بالعدل والمحاسبة، لا بإنفاق الملايير على ملاعب وصباغة الأرصفة، فيما أرواح النساء تُزهق بسبب جهاز معطوب أو سرير مفقود.