
كتب: فتاح بلعربي
في واقعة لا يمكن اختزالها في «وجبة رُفضت» أو «عشاء عُوِّض»، بل تمتد دلالاتها إلى عمق مشروعية التدبير الإداري وشفافية خدمة الإطعام الجامعي، شهد الحي الجامعي مولاي إسماعيل بالرباط بتاريخ 19/12/2025 تطورًا لافتًا يفرض طرح أسئلة قانونية ثقيلة، أكثر مما يفرض سرد وقائع عابرة. بعد وقائع الاعتداءات على الطلبة ، و منها ما كنا توقفنا عنده تحت عنوان : طالبة على عتبة البرد..حين تتحول “السلطة” إلى قرار بالطرد.
وكما توقعنا فقد تم طرد الطالبة المذكورة ،بطريقة “عجيبة” تستحق أن نعود لها.
الثابت في واقعة “العشاء غير المقبول ” ، أن الطلبة رفضوا الوجبة المقدمة من قبل الشركة المتعاقد معها لتدبير الإطعام. ولم يكن هذا الرفض اعتباطيا ولا وليد نزوة، وإنما—وفق منطق الأشياء—رد فعل على سبب سابق وخطير بطبيعته وهو سوء الوجبة ، وفي الصور المرافقة المواد البلاستيكية التي سبق أن “عثر ” عليها الطلبة ضمن و جبة سابقة .

ورفض الطلبة للوجبة اضطرارا ليضحوا بحاجتهم الأساسية إلى الغذاء ، وهو ما كان ليتم دون سبب جدي.
وأمام هذا الرفض، ومع مغادرة شركة الإطعام المتعاقدة مقر العمل بعد انتهاء وقتها القانوني، لم تلجأ إدارة الحي إلى تفعيل آليات المراقبة المنصوص عليها، ولا إلى تحرير محاضر عدم المطابقة، ولا إلى ترتيب الجزاءات التعاقدية في حق المتعهد، بل اختارت مسلكا آخر أكثر إثارة للانتباه: اقتناء وجبات جديدة للطلبة من مال الإدارة . خطوة بدت—في ظاهرها—احتواء للأزمة، لكنها في جوهرها إقرار ضمني بوجود خلل سابق؛ إذ لا معنى للتعويض إن لم يكن هناك ما يعوض.
وما يزيد الواقعة تعقيدا وخطورة، أن مدير الحي كلف أحد الطلبة، إلى جانب حراس الأمن الخاص، بالقيام بتقديم وجبات الإطعام للطلبة. وهو معطى يفتح باب تساؤل قانوني أوسع:
هل يجوز إسناد مهام تقديم وتوزيع الإطعام—وهي خدمة ذات طبيعة صحية وتنظيمية دقيقة—إلى طلبة وحراس أمن خاص لا يثبت خضوعهم لشروط التأهيل والتتبع الصحي والتقني المفروض في هذا المجال؟ أم أن الأمر يشكل خروجا عن المساطر وتحميلا غير مشروع لمسؤوليات لا تدخل في اختصاصهم الوظيفي أو القانوني؟
وهنا تحديدا ينتقل النقاش من
واقعة إلى الخطورة القانونية:
ما الذي جعل الطلبة يرفضون وجبة يفترض أنها مطابقة لدفتر التحملات؟
وما الذي دفع الإدارة إلى التدخل المالي المباشر بدل تحميل الشركة المتعاقدة مسؤوليتها؟ وان يفرض عليها تقديم وجبة جديدة ؟
ولماذا جرى تعويض الوجبة بدل فتح تحقيق إداري وتقني شفاف؟و القيام بمساءلتها ؟
ثم بأي سند قانوني أسند توزيع الوجبات إلى طلبة وحراس أمن خاص؟
إن قبول الإدارة بتحمل كلفة وجبة بديلة لفائدة أزيد من 1000 طالب لا يمكن قراءته قانونا كعمل محايد، بل كـقرينة قوية على أن الوجبة الأولى كانت محل شبهة أو عدم مطابقة؛ ذلك أن الأصل في التدبير العمومي أن لا تصرف نفقة إلا لسبب مشروع ومبرر، ولا يُعوَّض إلا عن ضرر ثابت، وبمساطر مضبوطة.

وبذلك، يتحول السؤال من: «لماذا غادرت الشركة؟»
إلى سؤال أكثر إحراجا وخطورة: «لماذا رُفضت الوجبة أصلا؟»
فإذا كان الرفض مؤسسا على اعتبارات السلامة أو الجودة أو الكرامة الإنسانية، فإن الواقعة تخرج من إطار التدبير اليومي العابر، لتدخل مجال المسؤولية الإدارية والتعاقدية، وربما إلى مساءلة أوسع حول احترام شروط الصحة والسلامة الغذائية داخل مؤسسة عمومية تعنى بفئة طلابية هي في هذا الحي في وضعية هشة.
هكذا، لم يكن العشاء مجرد عشاء، ولم يكن التعويض فعل إحسان، بل واقعة كاشفة:
عن خلل جسيم في خدمة الإطعام،و عن تدبير إداري ارتأى «إغلاق الأفواه» بدل فتح ملفات المساءلة.
هذه واحدة من عجائب إدارة الحي الجامعي مولاي إسماعيل بالرباط ، وسنحاول العودة لواحدة أخرى قريبا …





