
(كش بريس/التحرير)ـ يشكل التحالف الوطني للإدماج المالي للمرأة (WFI) خطوة نوعية في مسار تحديث الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي بالمغرب، إذ يجسد انتقالاً من المقاربة التقنية إلى الرؤية الممنهجة التي تضع المرأة في صميم القرار المالي الوطني، لا باعتبارها فئة مستهدفة بالخطاب فقط، بل بوصفها محوراً فعلياً للتمكين الاقتصادي والاجتماعي.
فإطلاق هذا التحالف، الذي يقوده بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية بشراكة مع المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب)، يعبر عن تحول استراتيجي في فهم العلاقة بين الشمول المالي والمساواة بين الجنسين. فالمغرب، رغم تقدمه في تعميم الخدمات البنكية، ما يزال يعاني من فجوة مالية بين النساء والرجال تبلغ 20 نقطة مئوية، وهي من بين الأكبر عالمياً، حيث لا تتجاوز نسبة النساء الراشدات اللواتي يمتلكن حساباً بنكياً 35 في المائة مقابل 55 في المائة لدى الرجال.
ويستهدف التحالف الجديد تحويل النظام المالي إلى رافعة مباشرة لتمكين المرأة اقتصادياً، عبر الانتقال من الوعود العامة إلى الأهداف المرقمة والمؤشرات القابلة للقياس. فرفع نسبة امتلاك النساء للحسابات البنكية ليس مجرد غاية إحصائية، بل خطوة نحو دمقرطة الولوج إلى التمويل والادخار والتأمين والخدمات الرقمية، بما يمكن النساء من المشاركة الفعلية في الدورة الاقتصادية، خصوصاً في الوسط القروي والقطاع غير المهيكل.
ويتميز هذا التحالف بكونه لا يكتفي بإعادة إنتاج المقاربات السابقة التي ركزت إما على جانب العرض أو على الطلب، بل يسعى إلى دمج الفاعلين الماليين والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص في منظومة متكاملة. فبدل أن تكون المرأة “مستهدفة” بالسياسات، تصبح شريكة في تصميمها وتقييمها، وفق منهجية وصفها التقرير بأنها “دورة مستمرة من التجريب والتعلم وإعادة التوجيه”، حيث تغذي التجارب الميدانية السياسات العمومية وتعيد رسم أولوياتها.
كما يبرز الطابع التنفيذي والعملي للتحالف، الذي لا يُراد له أن يكون مجرد هيئة تنسيق، بل منصة تنفيذ ومواكبة. فهو يقدم دعماً ميدانياً للأعضاء من بنوك ومؤسسات تمويل أصغر وشركات دفع، لتطوير منتجات مالية مراعية لخصوصيات النساء، سواء عبر أدوات تحليل البيانات والسلوك المالي أو عبر تصميم خدمات ادخار رقمية ومسارات تدريجية لبناء الثقة المالية. ويُنتظر أن تشمل المبادرات الأولى للحلف شراكات مع مؤسسات التشغيل والمقاولات الصغيرة والتجار لتوسيع نطاق المدفوعات الرقمية وتمكين النساء من الانخراط في الاقتصاد الرسمي.
وتكمن أهمية هذه المبادرة أيضاً في كونها تربط بين الشمول المالي والعدالة الاجتماعية، وتضع المساواة الاقتصادية ضمن أولويات السياسات المالية للدولة. فتمكين النساء من أدوات التمويل لا يعني فقط إدماجهن في النظام البنكي، بل تحرير طاقتهن الإنتاجية وتعزيز استقلاليتهن الاقتصادية، بما يسهم في رفع معدلات النمو وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
إن تحالف WFI ليس مشروعاً مالياً صرفاً، بل رهان حضاري وتنموي يروم إعادة تعريف العلاقة بين المرأة والمال، وتحويل الولوج المالي إلى مدخل للمواطنة الاقتصادية الكاملة. ومن ثم، فإن نجاحه لن يقاس فقط بعدد الحسابات البنكية المفتوحة، بل بمدى تحقيق العدالة في فرص التمويل، واستدامة التمكين، وتحول النساء من مستهلكات إلى فاعلات في إنتاج الثروة.