
(كش بريس/تاحناوت)ـ في مشهد إنساني يتجاوز حدود الفعل الخيري نحو أفق الوعي الجماعي، تتواصل بإقليم الحوز فعاليات القافلة التضامنية التنشيطية الاجتماعية الثانية، التي أطلقتها جمعية الأمل المسرحي للثقافة والتربية والفن بتمارة، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، تحت الشعار البليغ: “دير الخير ونساه.. عند ربي تلقاه”.

شعار ينضح بروح القيم المغربية الأصيلة، ويستعيد جوهر الفعل التضامني في بعده الإنساني العميق: الخير الذي يُفعل من أجل الإنسان لا من أجل الذاكرة.
القافلة، التي قطعت المسافات بين تمارة وأحواز مراكش، لم تكن مجرد مبادرة موسمية عابرة، بل كانت رحلة في معنى الفرح ذاته، ومحاولة لترميم ما تصدّع في وجدان الأسر بعد زلزال الحوز، عبر الفن واللعب والموسيقى والضحك.

تجلّت الأنشطة في حكايات مسرحية وورشات تفاعلية وألعاب تربوية، تلتئم جميعها في فعل رمزي واحد: إعادة بناء الروح قبل الحجر. فـ”حكاية عبد الودود” مثلًا لم تكن فقط عرضًا فنيًا، بل استعارة لمقاومة الإنسان البسيط حين يواجه قسوة الطبيعة بالحكمة والحكاية.
تحت إشراف الفنان محمد صوصي علوي بابا عاشور، أحد أبرز رموز الحكاية الشعبية المغربية، تجدد القافلة الرهان على الفن كقوة شفاء جماعي، وعلى المسرح كجسر بين الألم والأمل. فمن خلال شخصية “بابا عاشور” التراثية، ينبعث ذاك الصوت المغربي الحكيم الذي يذكر الناس بأن الحكاية ليست ترفًا، بل وسيلة لتضميد الجراح وإعادة صياغة الذاكرة على نحو أكثر إشراقًا.

هذه المبادرة، وإن بدت في ظاهرها بسيطة، إلا أنها تعكس تحولًا نوعيًا في وظيفة الفعل الثقافي والاجتماعي: من الترفيه إلى التنمية الوجدانية، ومن الإعانة إلى الإحياء الرمزي للكرامة الإنسانية.
ففي لحظة ما بعد الكارثة، يصبح الفرح فعل مقاومة، ويغدو الفن أداة لإعادة توازن المجتمعات التي تهتز بنيتها المادية والمعنوية معًا.

إن دعوة الجمعية للفاعلين والمؤسسات إلى دعم هذه القافلة ليست مجرد نداء تمويل، بل نداء أخلاقي وثقافي لإعادة الاعتبار لقيمة “التضامن الجمالي” في زمن المآسي، حيث تلتقي الذاكرة الوطنية بالخيال المسرحي، وحيث تُزرع بذور الأمل في عيون الأطفال كأجمل استثمار في الغد.