‏آخر المستجداتقضايا العدالة

دليل جديد يرسم معالم سياسة إنسانية لحماية الأطفال المهاجرين بالمغرب

(كش بريس/التحرير)ـ في خطوة مؤسساتية نوعية، دعا هشام البلاوي، رئيس النيابة العامة، إلى تعزيز حماية الأطفال المهاجرين في المغرب، محذراً من الأخطار التي تهدد هذه الفئة الهشّة، وعلى رأسها الاستغلال، والاتجار بالبشر، والعنف. جاء ذلك خلال تقديم “دليل معايير التكفل بالأطفال في وضعية هجرة”، في مؤتمر دولي بالعاصمة الرباط، بحضور هيئات أممية ودبلوماسية، وهو ما يعكس انخراط المغرب في رؤية إنسانية وحقوقية شمولية تجاه قضايا الهجرة غير النظامية.

يُعد هذا الدليل، بحسب النيابة العامة، مرجعاً عملياً لتوحيد تدخلات الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين في حماية الأطفال المهاجرين، عبر تحديد معايير واضحة ومؤشرات قياس دقيقة، بما يضمن تكريس المصلحة الفضلى للطفل وفقاً لروح اتفاقية حقوق الطفل والالتزامات الدولية للمملكة.

التحول من المقاربة الأمنية إلى المقاربة الحقوقية:

يعكس هذا المشروع تحولاً جوهرياً في فلسفة تدبير الهجرة بالمغرب؛ من التركيز التقليدي على الجانب الأمني والضبطي، إلى إرساء نهج إنساني شامل يأخذ بعين الاعتبار حقوق الأطفال، خاصة غير المرفقين منهم.

فالأطفال المهاجرون، كما أشار البلاوي، يواجهون أشكالاً متعددة من العنف، والاستغلال الاقتصادي، والعمل القسري، وغالباً ما يصبحون ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر. ومن هنا تأتي أهمية وجود دليل وطني موحّد يضبط آليات التكفل، منذ لحظة تحديد الهوية إلى غاية إيجاد حلول مستدامة لوضعيتهم القانونية والاجتماعية.

المغرب في قلب ديناميات الهجرة الإفريقية – الأوروبية:

تضع الطبيعة الجغرافية للمغرب، كبوابة رئيسية بين إفريقيا وأوروبا، البلاد في موقع معقد أمام تنامي ظاهرة الهجرة القاصرية. فعدد متزايد من الأطفال يجدون أنفسهم عالقين في مسارات الهجرة، دون مرافقة أسرية أو حماية مؤسسية كافية.

وفي هذا السياق، يمثل “دليل معايير التكفل” خطوة متقدمة نحو ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، وإرساء إطار تنسيقي بين القطاعات الحكومية، والمنظمات الأممية، والمجتمع المدني.

المقاربة متعددة الأبعاد – من الحماية إلى الإدماج:

ما يميز هذا الدليل أنه لا يكتفي بالجانب الحمائي، بل يتجه نحو مقاربة إدماجية تشمل:

الحق في التعليم عبر ضمان ولوج الأطفال المهاجرين إلى المدارس العمومية،

الحق في الصحة والحماية الاجتماعية،

الحق في العدالة والمرافقة القانونية،

وتوفير ظروف إيواء إنسانية تحفظ الكرامة وتكافؤ الفرص.

بهذا المعنى، يندرج المشروع ضمن رؤية أوسع تسعى إلى جعل المغرب نموذجاً إقليمياً في تدبير الهجرة القائمة على الحقوق الإنسانية، بدل المقاربات الأمنية الصرفة التي طبعت تعامل المنطقة مع الظاهرة لعقود.

تحديات التطبيق والفعالية:

رغم القيمة المعيارية للدليل، يظل التحدي الأكبر في التنفيذ الميداني، حيث تتداخل اختصاصات مؤسسات متعددة (النيابة العامة، الأمن، الشؤون الاجتماعية، وزارة التربية، الصحة، ومؤسسات الرعاية).

كما أن ضعف الإمكانيات المالية والبشرية في بعض الجهات، إلى جانب غياب التنسيق المستمر بين الفاعلين المحليين والدوليين، قد يشكّل عقبة أمام ضمان حماية شاملة ومستدامة لهذه الفئة الحساسة.

من النص إلى الواقع:

يُظهر هذا الدليل وعياً متقدماً لدى المؤسسة القضائية المغربية بضرورة تحصين الفئات الهشة من تبعات الهجرة غير النظامية، إلا أن نجاحه مرهون بترجمة مبادئه إلى ممارسات فعلية في الميدان. فحماية الأطفال المهاجرين لا تتعلق فقط بضمان حقوقهم الأساسية، بل ترتبط أيضاً بقدرة الدولة على بناء نموذج إنساني في إدارة الحدود، ومكافحة شبكات الاستغلال، وتوفير بدائل تربوية واقتصادية لهؤلاء الأطفال.

إنّ المغرب، من خلال هذا التوجه، يُعيد تعريف دوره كبلد عبور واستقرار، ويؤكد أن الهجرة ليست فقط قضية أمنية أو سياسية، بل قضية كرامة إنسانية ومسؤولية مشتركة بين الدول.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button