‏آخر المستجداتالمجتمع

د أحمد الريسوني: الفرق الدقيق بين التخلف والتخلفِ السحيق

***

مقالي الأخير عن “التخلف السحيق” لدى وزارة الأوقاف أثار عدة تساؤلات وانتقادات، ومن حق الجميع أن يعترض وينتقد وفق ما يراه صوابا ومفيدا.. فهذا شيء أرحب به وأستفيد منه..

وإنما اهتمامي الآن بتساؤلات وردتني حول بعض مضامين المقال..

– ومنها: معنى التخلف السحيق، والفرق بينه وبين مطلق التخلف؟

– وهل التخلف السحيق خاص بوزارة الأوقاف؟ ولماذا؟

أما معنى التخلف والتخلف السحيق، فالقول فيه كالقول في الجهل والجهل المركب..

فالتخلف يَعرف صاحبُه – ويعترف – أنه متخلف، ويسعى إلى تجاوز هذا التخلف، ولذلك أطلقوا على الدول المتخلفة وصف “دول نامية”، أو “في طريق النمو”. وفي المغرب تُستعمل عبارة “الانتقال الديموقراطي”. التي تفيد أننا في طور الانتقال إلى دولة ديموقراطية، وسائرون في طريقها. وهذا ما تشير إليه أيضا أول عبارة في الدستور المغربي، وهي: “إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون…”.

فهذه هي صيرورة الانفكاك التدريجي من ربقة التخلف.. وهي صيرورة تتطلب كفاحا طويلا على جبهات شتى.. ويبقى من المهم أن يكون الجميع متفقين – ولو مبدئيا – على ضرورة الانتقال والانفكاك..

أما في نطاق وزارة الأوقاف، فتوجد كثير من الزوايا والقضايا تعاني من وطأة “التخلف السحيق”، وهو التخلف الذي يعتبره حراسه تخلفا مقدسا، تجب حمايته ولا ينبغي المساس به.

ومن أمثلته: هذا النموذج المتحدث عنه في هذه الأيام، وهو عزل رئيس المجلس العلمي المحلي بمدينة فجيج، والطريقة التي تم بها ذلك.

فهذا العزل – وله نظائر كثيرة في عزل رؤساء وأعضاء المجالس العلمية، وفي عزل خطباء الجمعة – تم بطريقة موغلة في الاستبداد. وهي طريقة لم يعد لها وجود في أي وزارة أو مؤسسة مغربية أخرى، ولا حتى في القطاعات الخاصة..

جاء في رسالة السيد وزير الأوقاف ما يلي:

“قرار لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية:

وزير الأوقاف، بناء على الظهير الشريف رقم…، قرر ما يلي:

مادة فريدة: ابتداء من 31يوليوز 2025 يعفى السيد محمد بنعلي من رئاسة المجلس العلمي المحلي بفجيج”.

وفيما يلي بعض مظاهر التخلف السحيق في هذا القرار:

1. القرار اتخذه الوزير لا غير؛ فعنوانه “قرار لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. وفي نصه: وزير الأوقاف… قرر ما يلي..”.

ومثل هذا التصرف الانفرادي لم يعد له وجود في الإدارات والمؤسسات المغربية، باستثناء وزير الأوقاف.

2. السيد رئيس المجلس العلمي الجهوي، فضيلة العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة، ذكر في بيانه الذي خص به مكروفون جريدة هسبريس أن “المجلس العلمي الأعلى هو من اتخذ قرار العزل”. وفي هذا تناقض تام مع ما في نص الفرار الوزيري! فهذا البيان يحتاج إلى بيان!؟

3. القرار خالٍ تماما من أي تعليل أو تسبيب أو تفسير، ولو بالإشارة إلى المؤاخذة – أو المؤاخذات – المقتضية لقرار الإعفاء!

وهكذا كان على المعني بالأمر تلقي قرار كبير، ليس معه إلا “الغموض الخلاق”.. وهذا أيضا يقال فيه ما قيل في سابقه.. فلا يوجد وزير أو مسؤول متخلف يوقع ويرسل قرارا بهذه الكيفية..

فالمسألة إذن تتجاوز التخلف، إلى التخلف السحيق..

ولحد الآن لا يَعرف حتى المعني بالأمر سبب عزله، إلا تخمينا وظنا. وأما ما ذكره الرئيس المعزول عن غيابه، فليس فيه أن ذلك كان هو سبب العزل، بل فيه ما يحتمل وجود سبب آخر لم تتطرق إليه اللجنة، أو لم تركز عليه، حيث قال: “والسبب الذي ركزت عليه اللجنة التي زارت المجلس قبل نحو شهريْن، هو عدم انتظام حضوري في المجلس، وهذه حقيقةٌ لا أنكرُها”.

4. اللجنة ركزت على مسألة الغياب.. نعم، ولكن لو كانت مسألةُ الغياب هي سبب عزل الرئيس، لوجب عزل كافة المتغيبين بغير عذر، وقد ذكرهم السيد رئيس المجلس الجهوي، في بيانه الشفوي..

5. الوزير أحال في اتخاذ قراره على الظهير المنظم للمجالس العلمية، ولكنه لم يذكر أي مادة وأي فقرة هي مستنده؟ وهذا كما لو أن قاضيا أصدر حكمه قائلا: بناء على القانون الجنائي، أو بناء على مدونة الأسرة..؟؟

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button