
كلما تأملت قدرة إيران الهائلة على كسر ظهر العدو الصهيوني وإرغام أنفه في التراب، وهدم أكذوبة الجيش الذى لا يقهر والأسطورة التي لا تنكسر، كلما وثقت بأن البعث يكون في الدنيا قبل أن يكون في الآخرة، وأن مفهوم الغيب مفهوم دنيوي حي متحرك قائم في الدنيا قبل أن يكون مفهوما أخرويا يخص الجنة والنار والبعث والحساب.
وبناء عليه أحب أن أقول لكل الواهمين في بلادنا المسلمة أو غير بلادنا من بلاد العالم الذين ظنوا أن كل شيء قد انتهى، وأن من انتصر قد انتصر، ومن انهزم قد انهزم، وأن التاريخ أغلق أبوابه على المتغطرسين المنتصرين القاهرين وليس في إمكان المقهور إلا أن يقبل قهر قاهره، وظلم ظالمه، وأن ليس في الإمكان أحسن مما كان، أقول لهم جميعا: إن ما يحدث كل يوم على أرض الواقع يكذب فتور همتكم، ويخيب كذب أوهامكم، ويرد نكوص إرادتكم، فأنتم تستمرئون ما هو كائن و تحبسون أنفسكم فيما هو قائم رفضا لما هو قادم، بينما ما هو قادم أقوى وأروع وأجدى دائما مما هو قائم، بل أريد أن أغزو عقولكم السقيمة وضمائركم العقيمة بقولي: إنكم مرعوبون من أمانة التغيير وحمولة الاستقلال الحر الجسور فرضيتم بما تحت أرجلكم وحذو أنوفكم وعجزتم عن أن تتطلعوا إلى شيء آخر أبعد من حدود متاعكم الضحل الفقير وواقعكم الناحل الضامر، أنتم أيها المنكرون لكل إمكان آخر للبلاد، وتنكرون كل ميلاد جديد للوطن، وتستهزئون بكل نشأة أخرى للمناضلين الأحرار في إيران وغير إيران. أنتم بلا إيمان في الأساس، واسمحوا لى إن أشرح لكم ذلك، أنتم بلا إيمان بالبعث أولا لأنكم تنكرون قدرة الإنسان على البعث المتجدد الحر الجسور في الدنيا، وتقفون في وجه كل بعث آخر للإنسان ،وكل نشأة أخرى للشعوب، وكل ميلاد جديد للحرية والعزة والكرامة ،وتشكون في كل فجر، وتسفهون كل اقتدار، وتصادرون كل حلم، وتكذبون كل أمل، رضا بقصور خيالكم وضمور أرواحكم وكلالة عزتكم وضآلة حياتكم الفقيرة المكدودة المهدودة. العيب فيكم وليس في الحياة، الذلة في قلوبكم وليس في الواقع، المهانة في أجسادكم وليس في الوطن.
يا من تعيشون تحت أرجلكم أنتم تنكرون أي حياة أخرى ممكنة غير هذه الحياة الذليلة التي تحاصركم بضيقها، وترفضون أي مستقبل ممكن غير الواقع السجين الذى ركبكم فطأطأتم له، وامتطاكم فأنختم له ظهوركم الطيعة اللدنة الخنوعة، أحب أن أقول لكم إن إيمانكم بالغيب مزور، وإيمانكم بعالم وراء هذا العالم كاذب، لأنكم لو آمنتم حقا بالغيب أو عالم الماوراء أو العالم غير المرئى لآمنتم به في الدينا قبل الآخرة. لأن الإيمان الحقيقي الصادق بالغيب هو الإيمان الشافي لكل مشاعر التثبيط والتحبيط، النافي لكل نزعات الغرور والأنانية والمهانة، بل الإيمان بالغيب هو العلاج الواقي من التزمت المسبق البغيض والتعصب الحانق المريض، الذى يحصر عقل وروح وضمير صاحبه في دائرة الواقع القائم المكرور الممرور، على نحو تتحول فيه الإرادة الفردية الحرة إلى أداة مسجون تتحرك باسم ليس في الإمكان أحسن مما كان، فلا مجال للحلم ولا للمكن ولا للمستقبل ولا مجال لأية تلبية حرة جسورة تنادى في السماء البعيدة.
يا مرضى النفوس إن الإيمان بالغيب هو إيمان بالإنسان وقدرته على صناعة المستقبل اللامرئي بظهر الغيب، والإيمان بانتصارات الإنسان وآماله وطموحاته وأشواقه، إن روحكم المثبطة وخيالكم الكسيح يجعلكم لا ترون الآمال العراض المبسوطة في أفق العزة والحرية التي تشحذ عزائم الرجال الأحرار فيكسرون القيد، وتشحذ همم المؤمنين بالله تعالى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. لا حياة للأوطان ولا لأفراد مالم يؤمنوا ببعث في الدنيا قبل بعث الآخرة، القدرة على البعث في الدنيا بتفجير عالم حر آخر هو حقيقة دنيوية وواقعة تاريخية، فمن يجمعهم الأمل في المستقبل لا تفرقهم ذكريات الماضي الأليم.
*عميد كلية الآداب جامعة السويس بمصر سابقا
وأستاذ الأدب والنقد الحديث بنفس الجامعة