‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د التجاني بولعوالي: مغربية الصحراء.. حدود محفورة في الوجدان

تستوجب القضايا المصيرية الكبرى على المثقف والباحث أن يترفع عن العزلة النظرية التي تحجزه في برجه العاجي، وأن ينزل إلى الميدان ليكون “مثقفا عضويا” متجذر الانتماء، مرتبط الفكر والوجدان بروح الوطن، تماما كما يتجذر أي عضو في الجسد الذي يحمله. فالمثقف العضوي لا يكتفي بالتنظير الجاف أو التحليل البارد للأحداث والمستجدات، بل يعيش قضايا وطنه بكل تفاصيلها، ويجعل من فكره سلاحا للدفاع عن ثوابته، ومن قلمه منارة تسهم في ترسيخ وعي جماعي أصيل.

ومن أبرز هذه القضايا المصيرية التي تفرض على كل مغربي أن يكون في قلبها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، التي تشهد اليوم دينامية غير مسبوقة على المستويين الوطني والدولي. فالصحراء المغربية ليست مجرد قضية سياسية أو جغرافية، بل هي رمز للهوية الوطنية وركيزة من ركائز الوعي الجمعي للمغاربة، الذين تربوا على حب الوطن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، من طنجة إلى لكويرة. إنها ليست مجرد حدود ترسمها الخرائط، بل حدود محفورة في القلوب قبل أن تُخط على الورق.

إن التعبير عن مغربية الصحراء لا يُختزل في الشعارات أو الخطب، بل يتجلى في الانخراط الواعي والمسؤول في كل ما يعزز هذا الموقف التاريخي الثابت. فالوطن قيمة روحية ومعنوية، تسكن تفاصيل الحياة اليومية لكل مغربي، مهما ابتعد جسدا عن أرضه. وحتى أولئك الذين يعيشون في المنافي والمهجر، يحملون الوطن معهم في حقائبهم الصغيرة، في صور تزين جدران بيوتهم، وفي الراية الحمراء التي تتوسطها النجمة الخماسية الخضراء، المعلقة بفخر في مكاتبهم وغرفهم، لتذكرهم بأنهم جزء من وطن غال لا يغيب.

لقد صار حضور الوطن في حياتنا يتجاوز الرموز المادية إلى أدق تفاصيل العيش الحديث. فحتى في فضاء العالم الرقمي، فنحن نختار اسم الوطن أو رموزه كلمة سر لحساباتنا الإلكترونية، لا لأنه سهل الكتابة أو الحفظ، بل لأننا نريد أن يكون الوطن حارسا لنا، يرافقنا في كل لحظة من لحظات تواصلنا مع العالم. فالوطن عندنا ليس حيزا جغرافيا فقط، بل هو ذاكرة ووجدان، ينبض في القلب كما ينبض الدم في العروق.

إن الانتماء الحقيقي لا يُقاس بمقدار ما نكتبه أو نقوله عن الوطن، بل بمقدار ما نحمله له من وفاء وإخلاصٍ في سلوكنا اليومي. إن حب المغرب ليس لحظة عاطفية عابرة، بل هو قناعة راسخة تتجلى في الدفاع عن وحدته الترابية، وصون هويته الثقافية والدينية، والمساهمة في نهضته الفكرية والاقتصادية؛ كلٌّ من موقعه وبما أوتي من علم وقدرة.

وفي زمن التحولات المتسارعة، تزداد الحاجة إلى مثقفين عضويين يربطون الفكر بالفعل، وينحازون بوعي ومسؤولية إلى قضايا وطنهم الكبرى. فالوطن، كما جاء على لسان أحد الحكماء: “لا يُمنح لمن لا يستحقه”، والاستحقاق هنا يعني الإخلاص في القول والعمل، والانتماء بالروح قبل الجسد.

فليكن وطننا المغرب إذن هو بوصلتنا الدائمة، نحمله في ذواتنا أينما حللنا، ونعضّ على مغربيته بالنواجذ، لأنه ببساطة هويتنا التي لا تُساوم، وذاكرتنا التي لا تُمحى.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button