
ملاحظةٌ مهمةٌ أود التعبير عنها في مستهلّ هذه المقالة، انطلاقا من اهتمامي الشخصي والفكري بالقضية الفلسطينية، وهي أنه كلما حضرت فلسطين في وسائل الإعلام، وفي المحافل السياسية، وفي المخيال الشعبي، كُتب لهذه القضية أن تستمر وتصمد، وتُكشف حقيقتها المطموسة أمام الشعوب والأمم، بل وتصبح أشهر من نار على علم.
ولهذا، يجب ألا يدفعنا التقهقر الذي يعيشه الواقع الفلسطيني، ولا التخاذل الذي يتخبط فيه العالم العربي، ولا الازدواجية التي يُمارسها المجتمع الدولي، إلى إدارة ظهورنا لهذه القضية المصيرية، التي تمسّ وجدان الأمة الإسلامية وضمير الإنسانية.
وكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي في ثلاثينيات القرن الماضي، في سياق استعماري عويص لا يختلف كثيرا عن السياق التراجيدي الذي تشهده القضية الفلسطينية اليوم:
“ولا بد لليل أن ينجلي /// ولا بد للقيد أن ينكسر”
وهذا يعني أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تظل معلّقة إلى الأبد، ولا يمكن أن يستمر عذاب الفلسطينيين والمستضعفين في الأرض إلى ما لا نهاية. لا بد إذا أن ينجلي هذا الليل المدلهم والسرمدي، ولا بد أن يتحطم هذا القيد الغليظ. وهذا وعد رباني لا ريب فيه، حيث إن الإفساد والعلو الإسرائيلي في الأرض، بحسب القرآن الكريم في سورة الإسراء، مصيره الزوال والبوار.
وعليه، فإن من واجب كل مسلم، بما يستطيع، أن يتمسّك بأحقية هذه القضية ومصداقيتها، عبر البذل والدفاع والتوعية والدعاء. ويبدأ ذلك من محيطه الأسري الضيّق، ليمتد إلى فضاءات أوسع كأماكن العمل، والمدارس، والجامعات، والإعلام، والسياسة، والشارع، وغيرها. هكذا فقط يمكننا أن نعولم السردية الفلسطينية الحقيقية داخل العالم العربي والإسلامي، بل وخارجه أيضا.
ذلك أن معظم غير المسلمين يجهلون حقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويرونه من زاوية اللوبي الصهيوني المتغلغل في السياسة الدولية ووسائل الإعلام والمناهج التعليمية والبرامج الثقافية. ومن خلال استقرارنا الطويل في أوروبا، تبيّن لنا مدى جهل الإنسان الغربي؛ العادي والمثقف بطبيعة هذا الصراع، بل وعمق البرمجة التي خضع لها، والتي تدفعه إلى الدفاع والتماهي مع الكيان الإسرائيلي وعن “حقه” المزعوم في أرض فلسطين.
لا يمكن مواجهة هذا الجهل المركّب والعميق إلا من خلال الاستحضار المتواصل للقضية الفلسطينية عبر المظاهرات السلمية، والأنشطة الثقافية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمناهج التعليمية. فالغربي، بطبيعته، يبحث عما يُطرح في الإعلام وما يُتداول في الخطاب العام. ومن هنا تبدأ عملية تفكيك الصور النمطية واكتشاف حقيقة القضية المطموسة في المخيال الشعبي الغربي.
ولعل من أبرز “حسنات” العدوان الأخير على فلسطين وغزة، أنه عرى هذا الزيف أمام العيان، وفضح الحقائق في الأذهان، ليس فقط في أوساط النشطاء والحركيين، بل حتى لدى عدد متزايد من السياسيين الذين طالما انخدعوا بالصورة المزيّفة التي يقدمها الكيان الإسرائيلي، الذي لا يعدو أن يكون، كما يصفه القرآن الكريم في سورة النور، الآية 39: (كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء).