‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د المصطفى عيشان: التعاونيات بالمغرب خلال 70 سنة.. من فجر الاستقلال إلى زمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

مقدمة: من التعاونيات الكولونيالية إلى البدايات الوطنية

يكشف كتاب ألبير عياش: المغرب والاستعمار، حصيلة السيطرة الفرنسية أنّ الحركة التعاونية لم تولد في سياق وطني، بل تشكلت بدايةً كأداة استعمارية موجَّهة. فقد كان عدد التعاونيات الفلاحية الأوروبية بالمغرب لا يتجاوز 23 تعاونية سنة 1939، ليرتفع إلى 73 تعاونية سنة 1954، وجميعها كانت موجَّهة لخدمة المصالح الزراعية الفرنسية واستغلال الأراضي الخصبة.

ومع الاستقلال سنة 1956، ورث المغرب بنية تعاونية محدودة، لكنها شكّلت منطلقًا لبناء نموذج وطني جديد قوامه الإصلاح الزراعي، إعادة توزيع الأراضي، وتمكين الفاعلين المحليين. ومن هنا انطلقت رحلة سبعين سنة من التحولات المتتالية.

أولاً: عقد 1956–196مرحلة الاستمرارية الكولونيالية والإصلاح الأولي

بعد الاستقلال، حافظت الدولة على التشريعات الكولونيالية وعلى رأسها ظهير 1922، قبل أن يبدأ أول تقعيد قانوني وطني عبر إصدار نصوص سنة 1959 وتنظيم التعاونيات بشكل تدريجي.

بلغ عدد التعاونيات حوالي 68 تعاونية سنة 1962، أغلبها زراعية وموجَّهة لتدبير الأراضي المسترجعة من المستوطنين. وفي السنة نفسها أُنشئ مكتب تنمية التعاون ODCO كمصلحة إدارية تابعة لوزارة الداخلية، ليتولى التكوين والتأطير.

وخلال هذه الفترة، عانت التعاونيات من الوصاية الإدارية والاعتماد المالي على الدولة، رغم تخصيص دعم يصل إلى 30% من الميزانية الوطنية للقطاع الفلاحي، ما جعلها بنيات شبه عمومية أكثر منها مبادرات مجتمعية.

ثانيًا: عقد 1966–1975 الإصلاح الزراعي والتوسع تحت الوصاية

تزامنت هذه المرحلة مع ذروة الإصلاح الزراعي (1966–1972)، حيث تم إنشاء 671 تعاونية على مساحة 303,573 هكتارًا استفاد منها 20,805 فلاحًا.

وبلغ العدد الإجمالي للتعاونيات بين 1000 و1500 بحلول 1975، مع استمرار هيمنة القطاع الفلاحي بنسبة 58%.

ورغم إدماج مبادئ دولية مثل الديمقراطية والتحسين المهني، ظلت التعاونيات تحت إشراف وزارتي الداخلية والفلاحة، مما حدّ من استقلاليتها، خصوصًا مع توالي الجفاف وتراكم الديون.

**ثالثًا: عقد 1976–1985

النمو تحت الدعم الحكومي والأزمات الاقتصادية**

وصل عدد التعاونيات إلى حوالي 3000 تعاونية سنة 1985 نتيجة توسع التنويع نحو السكن والصناعة التقليدية. لكن الأزمات الاقتصادية (ارتفاع أسعار النفط، الجفاف، عجز الميزان التجاري) أضعفت فعاليتها.

في سنة 1983 صدر قانون 83-24 الذي أرسى مبادئ التسيير الذاتي، وأعيدت هيكلة ODCO كمؤسسة مستقلة، مما قلّص الامتيازات المعتمدة سابقًا.

انخفض الدعم العمومي للفلاحة من 42.9% إلى 18.4% سنة 1989، فشهد القطاع ركودًا لكنه وضع الأساس لمرحلة إصلاحية لاحقة.

رابعًا: عقد 1986–1995 الإصلاح الهيكلي والتأهيل

ارتبطت هذه الفترة بتطبيق برنامج التعديل الهيكلي، وتم الانتقال نحو نموذج تعاونيات أكثر استقلالية.

ارتفع العدد إلى 1,349 تعاونية سنة 1988 وإلى 2,986 تعاونية سنة 1998، مع توسع في التعاونيات السكنية (23%) والصناعة التقليدية (13%).

وبرز دور التكوين، وإنشاء الاتحادات التعاونية، وإدماج مبادئ الإدارة الديمقراطية والشفافية، رغم استمرار صعوبات التمويل.

خامسًا: عقد 1996–2005 التحضير للطفرة وبداية التنويع

شهدت هذه المرحلة التحول النوعي الأبرز في تاريخ التعاونيات. بحلول 2005 بلغ عدد التعاونيات 12,000 تعاونية تضم 450,000 عضو.

وأطلقت الدولة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية INDH سنة 2005 التي موّلت أكثر من 22,000 مشروع لفائدة 6000 تعاونية.

في هذه المرحلة ظهر الانفتاح على التعاونيات النسائية والشبابية، وتوسع الاهتمام بالسياحة القروية والمنتجات المحلية. كما وضع قانون 112.12 (صدر 2014 ونُفذ 2016) أسسًا قانونية جديدة لتبسيط تأسيس التعاونيات.

سادسًا: عقد 2006–2015 الطفرة الكمية مع المخططات الوطنية**

تضاعف عدد التعاونيات بأكثر من 150% بين 2005 و2010، مدعومًا بمخطط المغرب الأخضر (2008–2020).

وبحلول 2019 وصل العدد إلى 27,262 تعاونية تضم 563,776 عضوًا، وأصبحت التعاونيات النسائية تمثل 29% من المجموع.

تميزت هذه المرحلة بإنشاء مجموعات المصالح الاقتصادية (GIE) بهدف تحسين التسويق، خصوصًا لمنتجات الأركان والزعفران والعسل.

لكن مساهمة التعاونيات بقيت محدودة في الناتج الداخلي (1.5%) بسبب ضعف الولوج إلى الأسواق والتمويل.

سابعًا: عقد 2016–2025 التعزيز الاستراتيجي وزمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

في ظل الجيل الأخضر 2020–2030، تجاوز عدد التعاونيات 60,000 تعاونية بحلول 2025 مع 760,000 عضو.

وتبرز المرحلة الثالثة من INDH (ابتداء من 2019) كأقوى دعم مؤسساتي للتعاونيات، حيث استفادت:

• أكثر من 4240 تعاونية من المواكبة التقنية والمالية

• 41% منها تعاونيات نسائية

• 94 دراسة لسلاسل القيمة تم إنجازها

• التركيز على الفلاحة (34%) والصناعة التقليدية (32%) والتجارة والخدمات (16%)

وتشير هذه المؤشرات إلى تحول التعاونيات من هياكل صغيرة إلى فاعل محوري في الاقتصاد الاجتماعي، مع دمج الرقمنة، وتحسين الحكامة، ورفع القدرة على التسويق.

الخلاصة العامة: سبعون سنة من تشكل نموذج مغربي خاص

على امتداد 70 سنة، انتقلت التعاونيات بالمغرب من:

• أداة استعمارية محدودة (قبل 1956)

• إلى وسيلة للإصلاح الزراعي وبناء الدولة الحديثة (1956–1985)

• ثم فاعل مستقل في التنمية المحلية ضمن إصلاحات هيكلية (1985–2005)

• لتتحول أخيرًا إلى رافعة قوية للاقتصاد الاجتماعي في زمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005–2025)

ورغم الطفرة الكمية التي تجاوزت 60 ألف تعاونية سنة 2025، ما تزال تحديات الحكامة، التمويل، الاستقلالية، والانفتاح على الأسواق العالمية قائمة. غير أنّ المسار العام يؤكد أن المغرب بنى نموذجًا تعاونيًا تطوّر من خدمة الاستعمار إلى أداة لتمكين المواطن، خصوصًا المرأة والشباب، داخل رؤية تنموية متجددة

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button