‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د المصطفى عيشان: الحرب الأهلية المغربية الناعمة

ليست كل الحرووب تُخاض بالسلاح، فبعضها أكثر فتكًا لأنها تُخاض بالكلمات. في المغرب المعاصر، تتشكل حرب أهلية ناعمة، لا تُعلن عن نفسها في الميادين، بل تنفجر في النكت، والمصطلحات، وتعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، وفي خطاب يومي يعيد إنتاج التراتبية والتمييز والإقصاء. إنها حرب رمزية، تستخدم المصطلح كسلاح، واللغة كرصاص معنوي، وهي بذلك تؤشر على تصدّع عميق في مفهوم الانتماء الوطني.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل هذه الحرب اللغوية عبر تفكيك المصطلحات المتداولة في المجتمع المغربي، والتي أصبحت تعبيرًا عن الصراع الطبقي والهوياتي، والإيديولوجي، بما يجعلها مؤشرًا دقيقًا على مستوى الانقسام الرمزي الذي ينخر النسيج المجتمعي.

الإشكالية:

كيف تُوظَّف المصطلحات الشعبية اليومية في المغرب لتأطير صراع اجتماعي وهوياتي ناعم؟ وما دلالات هذه “الحرب الأهلية الرمزية” التي تُقسم المجتمع إلى طوائف متعارضة ومُتراشقة لغويًا؟

الإطار النظري والمنهجي:

تعتمد الدراسة على ثلاث مداخل نظرية:

• بيير بورديو: اللغة كشكل من أشكال السلطة والعنف الرمزي.

• إيرفينغ غوفمان: الوصم الاجتماعي وبناء الهوية المرفوضة.

• ستيوارت هول: التمثلات الثقافية كأداة لإعادة إنتاج الصراع.

وقد تم رصد وتحليل مجموعة من المصطلحات المنتشرة في الخطاب الشعبي المغربي، انطلاقًا من تجلياتها في الفضاء العمومي، والسوشيال ميديا، والنكت، والخطاب السياسي والإعلامي.

المصطلحات كساحة للتمايز والتصادم:

1. بنو علمان

• نعت يطلقه المنتسبون للتيارات الإسلامية على اليساريين أو العلمانيين.

• يوظَّف للتقليل من الشرعية الأخلاقية لمخالفيهم، ويتضمن سخرية دينية ونَسبًا ساخرًا يُشيطن الآخر.

• يقابله مصطلح “الخواندجية” “الظلاميين” و”الرجعيين”.

# الدلالة: صراع أيديولوجي حول من يملك تمثيل القيم الأصيلة.

2. ولاد الفشوش مقابل ولاد الحازقين:

• “ولاد الفشوش”: أبناء النخبة الثرية، يُصوّرون كطبقة محظوظة تتمتع بالامتيازات بدون كفاءة.

• “ولاد الحازقين”: أبناء الفقراء المكافحين الذين يشتغلون ويُبدعون رغم غياب الفرص.

# الدلالة: الصراع الطبقي يتحول إلى مشهد رمزي داخل الفضاء العمومي.

3. عريبوش مقابل الگربوز:

• “عريبوش”: مصطلح هجائي يستعمله بعض النشطاء الأمازيغ ضد دعاة العروبة، ويعني “العربي المشبوه في أصله أو ولائه”.

• “الكربوز”: نعت يُستعمل ضد الأمازيغيين المتطرفين في تمسكهم بالهوية الأمازيغية، ويُفهم كمبالغة في القومية.

# الدلالة: انقسام هوياتي لغوي وثقافي يُضعف التعايش داخل الوطن.

4. الفراقشية:

• في الأصل: لصوص الحضائر الذين يسرقون الأكباش في مواسم العيد.

• تطور المعنى ليشمل سماسرة الريع في صفقات استيراد الأضاحي ممن حصلوا على دعم مالي دون تنفيذ فعلي.

# الدلالة: الفساد الصغير يُحمَّل وسمًا جماعيًا عبر مصطلح شعبي.

5. المداويخ:

مصطلح أطلق بالبرلمان أطلق على ناس للنيل من موقفهم بشأن مقاطعة بعض المواد

# الدلالة: حرب سياسية ولسانية من طرف حكومة تُقسم الوطن إلى من معها ومن ضدها.

6. كَعلمين:

• نعت يُطلق على الأساتذة، ويتضمن تهكُّمًا يقلّل من كفاءتهم أو نبل مهنتهم.

• يُستخدم لتأنيبهم وتوجيه اللوم لهم بدل مساءلة السياسات التعليمية.

# الدلالة: تفكيك رمزي لصورة الأستاذ كمثقف وفاعل مجتمعي.

آليات اشتغال هذه الحرب الرمزية

• الوصم: تنميط الآخر لغويًا يجعله موضع شبهة أخلاقية أو ثقافية.

• الترميز الطبقي: الكلمات تترجم الفوارق الاجتماعية إلى عداء رمزي.

• التفتيت الهوياتي: كل فئة تبني سرديتها بإلغاء سردية الآخر.

• النفي الرمزي: كل مصطلح لا يصف، بل يحكم ويقصي.

آثار الحرب الأهلية الناعمة:

• تفكك الرأسمال الرمزي المشترك (اللغة، المدرسة، المرجعية الوطنية).

• ضعف الشعور بالانتماء العام، مقابل تعاظم الانتماءات الجزئية.

• خلق بيئة خصبة لانتشار الشعبوية، ولتآكل الثقة الاجتماعية.

نحو لغة جامعة بدل معجم التشظي

لا يمكن للمغرب أن يبني ديمقراطية أو عدالة اجتماعية في ظل استمرار “الحرب الأهلية الناعمة” التي تُخاض عبر المصطلحات. المطلوب هو:

• تحرير اللغة من التسميم الرمزي،

• إعادة بناء خطاب وطني جامع،

• وتشجيع ثقافة الاعتراف المتبادل بدل الإقصاء المتبادل.

إنتاج قاموس المصطلحات المستعملة في مثل هذه الحرب عبر تاريخ المغرب

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button