‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د جمال ايت لعضام: الموقف الصيني من قضية الصحراء المغربية.. بين الحياد المعلن والدعم الضمني للسيادة

تُعد قضية الصحراء المغربية واحدة من أقدم النزاعات الإقليمية في شمال إفريقيا، حيث يستمر هذا النزاع المفتعل لأكثر من أربعة عقود بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. في ظل هذه الأزمة، يبرز دور الصين كفاعل دولي رئيسي وعضو دائم في مجلس الأمن، بالإضافة إلى كونها قوة صاعدة في النظام الدولي. مما يجعل موقفها من هذه القضية ذا أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للمغرب والمنطقة بأسرها.

 وبناءً على ذلك، يتم اليوم مناقشة تساؤلات أساسية من قبل الأكاديميين والباحثين المغاربة: هل تعترف الصين بمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في عام 2007 كحل سياسي للنزاع المفتعل؟ وهل يلتزم الحزب الشيوعي الصيني فعلاً بسياسة “الحياد” في هذه القضية؟ وما هو موقف الصين من سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؟

أولاً: العلاقات المغربية الصينية في سياق استراتيجي متغير

منذ إعلان الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين في مايو 2016، شهدت العلاقات الثنائية تطورًا ملحوظًا في عدة مجالات، بما في ذلك الاقتصاد، البنية التحتية، الطاقة، التكنولوجيا، والتعليم العالي. كما انخرط المغرب في مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين، مما جعله شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا لبكين في شمال وغرب إفريقيا.

هذا التقارب جعل المغرب نقطة انطلاق استراتيجية للصين نحو القارة الإفريقية، وساهم في تعزيز صورة المملكة كحليف مستقر ومنفتح، وقد انعكس ذلك بشكل غير مباشر على الموقف الصيني تجاه قضية الصحراء المغربية، حيث أصبح أكثر هدوءًا ويميل نحو البراغماتية.

ثانياً: الموقف الصيني من قضية الصحراء المغربية

يتبنى الموقف الرسمي للصين في الأمم المتحدة طابعًا “محايدًا”، وهو يتماشى مع المبادئ التقليدية لسياستها الخارجية التي ترتكز على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدة أراضيها”.

حيث تؤكد الصين خلال الجلسات المتعلقة بتمديد ولاية بعثة “المينورسو” على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي، دائم، ومقبول من الطرفين، وتدعو إلى “استمرار الحوار” بين الأطراف المعنية، كما تمتنع عن استخدام لغة قاسية تجاه المغرب، وتسعى للحفاظ على توازن في تعبيرها، مع عدم اعترافها بجبهة البوليساريو كدولة ذات سيادة.

وعلى الرغم من أن هذا الموقف يبدو “حياديًا”، إلا أنه يعكس ضمنيًا توافقًا مع الموقف السيادي للمغرب.

ثالثاً: موقف الصين من مقترح الحكم الذاتي المغربي

في عام 2007، قدم المغرب مبادرته للحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ضمن إطار السيادة الوطنية للنزاع القائم، وقد لاقت هذه المبادرة دعمًا من العديد من الدول الكبرى في إفريقيا والعالم العربي والغربي، مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا.

أما الصين، فلم تعلن عن موقف واضح سواء بالتأييد أو المعارضة للمبادرة، لكنها أبدت ترحيبًا غير مباشر بها، معتبرة أنها “تساهم بشكل إيجابي في الجهود الدولية لإيجاد حل للنزاع”، ومنذ ذلك الحين، لم تعارض الصين المقترح المغربي، بل أظهرت قبولًا ضمنيًا له، خاصة عندما تدعو إلى حلول “واقعية وقابلة للتطبيق”.

رابعاً: العوامل المؤثرة في موقف الصين

تتعدد الاعتبارات والمحددات الرئيسية التي تؤثر على موقف الصين تجاه قضية الصحراء المغربية:

  1. مبدأ السيادة ووحدة التراب الوطني: ترفض الصين أي محاولات للانفصال، نظرًا لتعرضها لتحديات مشابهة داخل أراضيها مثل (تايوان، هونغ كونغ، والتبت)، وبالتالي، تميل إلى دعم الدول التي تحافظ على وحدتها الترابية، رغم عدم إعلانها عن ذلك بشكل واضح.
  2. العلاقات مع الجزائر: رغم التقارب بين الصين والمغرب، تظل الجزائر شريكًا استراتيجيًا للصين في مجال الطاقة، خاصة في قطاع الغاز، وهذا يدفع الصين إلى الحفاظ على توازن دبلوماسي يأخذ في الاعتبار مصالحها مع كلا الطرفين.
  3. الاستثمار في الاستقرار الإقليمي: تعتبر الصين أن استقرار المنطقة يعزز من مصالحها الاقتصادية، لذا تفضل الحلول السلمية والمستقرة للنزاعات، دون دعم مشاريع انفصالية قد تؤدي إلى الفوضى أو النزاعات المسلحة.

خامساً: هل يشهد الموقف الصيني تغيرًا؟

يُعتبر هذا السؤال تحديًا للباحثين والمهتمين بقضية نزاع الصحراء المغربية، حيث تبرز مؤشرات متزايدة تشير إلى احتمال حدوث تحول تدريجي في الموقف الصيني خلال السنوات المقبلة:

  • زيادة حجم التبادلات التجارية والاستثمارات الصينية في المغرب، مثل مشروع مدينة محمد السادس الذكية، والميناء الأطلسي في الناظور، ومشاريع الطاقة الشمسية.
  • تكثيف الزيارات الاستراتيجية والاجتماعات الدبلوماسية رفيعة المستوى بين البلدين.
  • استخدام الصين لتعبيرات دبلوماسية تقترب من مفهوم الحكم الذاتي، مثل “الحل الواقعي” و”الحل السياسي القابل للتطبيق”، وهي تعبيرات تُعتبر مرجعًا أساسيًا لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
  • تراجع العلاقات الصينية مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، مما يدفع الصين إلى تعزيز وتنويع تحالفاتها في الجنوب، بما في ذلك المغرب.

 في الختام، يمكن القول إن موقف الحزب الشيوعي الصيني تجاه قضية الصحراء المغربية يتميز بنوع من “الحياد المدروس”، الذي يوازن بين المبادئ العامة للسياسة الخارجية الصينية والمصالح الاستراتيجية المتزايدة مع المغرب، فرغم التزام الصين العلني بسياسة “الحياد”، إلا أن ممارساتها الدبلوماسية والاقتصادية تشير إلى دعم ضمني لسيادة المغرب على صحرائه، أو على الأقل قبول عملي بمبادرة الحكم الذاتي. وبالتالي، في ظل التغيرات الجيوسياسية الدولية، يمتلك المغرب فرصة استراتيجية لتعزيز هذا التقارب مع بكين، وإقناعها بأن دعم مقترح الحكم الذاتي لا يتعارض مع مبادئها السياسية والدبلوماسية، بل يتماشى مع رؤيتها للاستقرار الدولي.
جمال ايت لعضام
*دكتور في العلاقات الدولية و القانون الدولي بجامعة جيلين الصينية-تشانتشونغ .

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button