
هندسة الجوع” أو “التجويع كسلاح” هو مفهوم يُشير إلى الاستخدام المُمنهج لحرمان شعبٍ ما من الغذاء والموارد الأساسية كأداة للسيطرة أو العقاب الجماعي أو الإخضاع السياسي، ولهذا تستخدم اسرائيل سلاح الجوع والتجويع كأداة قمع تحت الاحتلال وفي السياق الاستعماري الكولونيا لي كما هو تحت الاحتلال الاسرائيلي، تُصبح هذه الممارسة ضد الشعب الفلسطيني جزءًا من سياسة منهجية تهدف إلى:
– إضعاف المقاومة الفلسطينية بتفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية.
-خلق تبعية كاملة للسكان الفلسطينيين تجاه قوة الاحتلال الاسرائيلي أو الجهة المسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية مثال شركة أمريكية تكون تابعة لجيش الاحتلال.
– تسهيل التهجير القسري من قطاع غزة عبر جعل الحياة غير قابلة للاستمرار في قطاع غزة وتحقيق حلم قادة الاستيطان الإسرائيلي.
-كيفية هندسة التجويع وتطبيقه؟
في حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل قطاع غزة، الذي يتعرض للإبادة الجماعية منذ السابع من اكتوبر 2023 تتخذ “هندسة الجوع” أشكالًا متعددة، منها:
أ. الحصار الاسرائيلي والعقوبات الاقتصادية على قطاع غزة:
– فرض قيود على دخول الغذاء والدواء والوقود (مثل تحديد السعرات الحرارية المسموح بدخولها لغزة، كما كشفت وثائق للمنظمات الدولية عن الممارسات الإسرائيلية في هذا الجانب).
– إغلاق المعابر على الحدود الفلسطينية-المصرية بشكل متكرر، مما يعطّل سلاسل الإمداد.
ب.تدمير البنية التحتية للغذاء:
– قصف الأراضي الزراعية، تدمير مصانع الأغذية، وتلويث مصادر المياه (مثل قصف آبار المياه ومحطات التحلية للماء الصالح للشرب).
– منع الصيادين الفلسطينيين من الوصول إلى البحر، وتقييد مساحة الصيد.
ج. التضييق المالي:
– منع تحويل الأموال إلى قطاع غزة خلال معركة طوفان الأقصى، وفرض قيود على البنوك الفلسطينية، مما يُعيق عملية استيراد الغذاء في فترات فتح المعابر قبل اغلاقها مؤخرا بشكا تام واحتلال جيش الاحتلال للمعبر بشكل تام.
– تجميد المساعدات الدولية أو عرقلة وصولها (مثل منع دخول مواد البناء لإعادة إعمار ما دُمّر، ومنع ادخال معدات لإزالة الركام وإخراج جثث الشهداء من العائلات والاطفال العالقين تحت المنازل المدمرة الذين تعرضوا للقصف الاسرائيلي).
د. العقاب الجماعي
– ربط تقديم المساعدات بشروط سياسية تعجيزية من طرف حكومة الاحتلال الإسرائيلي (مثل المطالبة بالإفراج عن أسرى الإسرائيليين في غزة بدون شروط، أو نزع سلاح المقاومة، او إسقاط حكومة الظل لحماس في غزة، او طرد قادة المقاومة الفلسطينية خارج فلسطين).
– استخدام الجوع كأداة ضغط نفسي لفرص الاستسلام واستنساخ نموذج مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في رفح إلى وسط قطاع غزة وشمالها بهدف تمزيق المجتمع الفلسطيني الحاضن للمقاومة.
-الجوانب القانونية والأخلاقية:
وفقًا للقانون الدولي تعتبر هندسة التجويع التي تمارسها اسرائيل في غزة، هي (جرائم حرب) وجرائم ضد الإنسانية وفق التالي:
– بروتوكولات جنيف (المادة 53، 54) تحظر تدمير مصادر الغذاء والماء كوسيلة حرب.
– نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 8) يُجرم التجويع المتعمد للسكان المدنيين.
– تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية تتهم إسرائيل بانتهاك هذه القوانين في غزة، خاصة بعد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بعد السابع من اكتوبر 2023.
-نماذج تاريخية مشابهة لسيلة التجويع في غزة:
1. حصار لينينغراد (1941-1944): استخدمه النازيون لاستنزاف المدينة، مما أدى إلى موت مليون مدني جوعًا.
2. حصار العراق (1990-2003): العقوبات الاقتصادية التي قتلت نصف مليون طفل حسب تقديرات منظمة اليونيسف.
3. استعمار أيرلندا: بريطانيا استخدمت تجويع الأيرلنديين (1845-1849) لتركيع الثورات، مما أدى إلى “مجاعة البطاطس” ومقتل مليون شخص.
-النتائج الإنسانية في قطاع غزة:
– 80% من السكان الفلسطينيين يعتمدون على المساعدات (برنامج الأغذية العالمي).
– 50% من الأطفال الفلسطينيين دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد (اليونيسف).
– ارتفاع معدلات الوفيات بسبب أمراض مرتبطة بالجوع، و الكوليرا.
-لماذا تستخدم اسرائيل التجويع كسلاح؟
لأنه:
– غير مُكلف عسكريًا مقارنة بالعمليات العسكرية والقتالية المباشرة مع المقاومة الفلسطينية.
– يُضعف الروح المعنوية داخل المجتمع الفلسطيني الحاضن للمقاومة ويُحدث شرخًا اجتماعيًا.
– يصعب إثباته قانونيًا لغياب الرقابة الدولية في قطاع غزة وبسبب إمكانية تغطية اسرائيل على تلك الجريمة بـ”ذرائع أمنية”.
أما الحل فانه يكمن في رفع الحصار فورًا عن قطاع غزة وفتح المعابر دون قيود، ومحاسبة قادة إسرائيل مثل نتنياهو وغالانت عبر المحكمة الجنائية الدولية، ودعم المنظمات الإنسانية الدولية التي توفر الغذاء والمساعدات الإنسانية مثل منظمة الأونروا التي تتعرض للشيطنة من طرف إسرائيل، وممارسة الضغط السياسي وتدخل مجلس الأمن الدولي لوقف سياسة العقاب الجماعي والتجويع في قطاع غزة، حيث أن الجوع ليس “أثرًا جانبيًا” للعدوان الاسرائيلي، بل خيار استراتيجي ممنهج لدولة الاحتلال الاسرائيلي لتركيع الشعب الفلسطيني. ولهذا يجب الضغط والتحرك العالمي الدبلوماسي والسياسي وفرض العقاب على اسرائيل ومنع تصدير الأسلحة لها هو الضمانة الوحيدة لوقف هذه الجريمة (جريمة التجويع وإعادة هندستها في قطاع غزة).
من جانب أخر، هناك تقارير متعددة من منظمات حقوقية دولية تتحدث عن تأثير سياسة التجويع والحصار والقيود المفروضة على حركة البضائع والأفراد في تفاقم الأزمة الإنسانية، بما في ذلك نقص الغذاء والدواء والبنية التحتية الأساسية يتجلى في التالي:
1.الحصار والقيود المفروضة على غزة منذ عام 2007، فرضت إسرائيل حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على قطاع غزة، مدعيةً أسبابًا أمنية. هذا الحصار حدّ بشكل كبير من دخول المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود والمواد الطبية.
– وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات مثل “أوكسفام” و”هيومن رايتس ووتش”، فإن هذه القيود الإسرائيلية تساهم في تدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في قطاع غزة، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي لنسبة كبيرة من السكان.
2. الجوع كسلاح حرب: هناك اتهامات بأن إسرائيل تستخدم “هندسة الجوع” كجزء من استراتيجيتها العسكرية، حيث يتم تقييد وصول المساعدات الإنسانية كوسيلة للضغط على حركة حماس أو كعقاب جماعي للسكان الفلسطينيين المدنيين الغير مشاركين في اي قتال وغير مسلحين.
هذه الممارسات من دولة الاحتلال الإسرائيلي تُعتبر انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استخدام التجويع كأسلوب حرب (مثل بروتوكولات جنيف).
– في العدوان الاسرائيلي على غزة بعد 7 من اكتوبر 2023، وثّقت تقارير حالات تعطيل إسرائيل لوصول المساعدات الغذائية إلى غزة، وكذلك تدمير البنية التحتية الزراعية في غزة (مثل الأراضي الزراعية ومصادر المياه الابار الصالحة لماء الشرب).
3. الأرقام والمؤشرات:
– وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، فإن أكثر من 80% من سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.
– تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن 50% من السكان الفلسطينيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال.
4. الرد الإسرائيلي الكاذب، تنفي إسرائيل عمدًا التسبب في أزمة جوع في قطاع غزة، وتقول إن القيود تهدف إلى منع وصول أسلحة أو مواد تدعم “الإرهاب”، ومع ذلك، يرى مراقبون دوليون أن الإجراءات تتجاوز الحدود الأمنية المشروعة وتنتهك حقوق الإنسان الأساسية.
5. المسؤولية الدولية:
– المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، يدعو منذ سنوات إلى رفع الحصار عن قطاع غزة، والمفروض عليها منذ عام 2007 والى الان، لكن دون تأثير فعلي بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الداعم الى اسرائيل، وبسبب عدم وجود آلية تنفيذ قوية.
– بعض الدول تقدم مساعدات عبر وكالات مثل الأونروا التي تحاول اسرائيل تفكيكها بصفتها منظمة دولية تثبت حق الفلسطينيين بالعودة لوطنهم، لكن هذه المساعدات غالبًا ما توضع تحت شروط إسرائيلية تعيق وصولها.
يمكن القول ان الأزمة في قطاع غزة تُظهر كيف يمكن أن تتحول السياسات العسكرية والأمنية إلى كوارث إنسانية عندما تُستخدم أدوات مثل الحصار والحرمان من الغذاء وسياسة التجويع ” ضد الأطفال والمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. هذه الممارسات تثير أسئلة أخلاقية وقانونية جادة، خاصة في ظل صمت دولي على هذه الجريمة، وكذلك عجز مجلس الأمن الدولي عن فرض حلول عادلة لوقف الإبادة الجماعية في غزة.
6-تكتيك اسرائيل لتخفيف الضغوط الدولية: تسعى دولة الاحتلال الاسرائيلي إلى تلميع صورتها وإسكات الانتقادات الدولية لها بسبب سياسة التجويع التي تمارسها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة عبر إنشاء مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية التي حددتها إسرائيل في جنوب قطاع غزة تحت اشراف شركات التعهدات الأمنية الأمريكية الخاصة، سيقوم هؤلاء المقاولون أيضًا بتوفير الأمن داخل المراكز وما حولها بمساعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ستكون مراكز في ظاهرها مساعدات انسانية وفي داخلها العذاب والتعرف على بصمة الوجه وربما عمليات اعتقال للبعض، والتحقيق مع البعض الاخر للحصول على معلومات حول نشاط المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
سيتم تنفيذ كافة عمليات التوزيع والاتصال المباشر مع الفلسطينيين من قبل ”شركات امنية امريكية، وستقتصر الخطة في البداية على ستة مراكز لخدمة السكان الفلسطينيين في قطاع غزة المكتظ بالسكان والذي دمرته القنابل الإسرائيلية في معظمه خلال أكثر من 18 شهرًا من العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر لسنة 2023.
كذلك من المقرر حسب خطة قادة الاحتلال الاسرائيلي أن يوفر كل مركز خدمة لما بين 5,000 إلى 6,000 أسرة من المدنيين الفلسطينيين، وحسب تصريحات جيش الاحتلال إن ممثلي تلك الأسر الفلسطينية سوف يتسلمون طردًا يزن 44 رطلاً من المواد الغذائية ومستلزمات النظافة كل أسبوعين. كما سيقوم جيش الاحتلال الاسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية باستخدام تقنية (التعرف على الوجه) لتحديد هوية الزائرين للمراكز؛ مما يذكرنا بعمليات تجميع المعتقلين بمراكز الاعتقال النارية في معتقل ”اوشفيتس” وغيرهما من سجون ومعتقلات الحكم الناري في الحرب العالمية الثانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه؟ كيف يمكن للأشخاص الكبار في السن او المرضى او المصابين بإعاقة جسدية على حمل حزمة من المساعدات الغذائية بوزن 44 رطل بما يكفي لإعالة أسرة نموذجية، على بعد أميال والذهاب بها إلى ملجأ آخ، ربما داخل خيمة مهترئة، او ربما تحت أنقاض منزل مدمر دون التوفر على وسائل النقل العامة او الخاصة في قطاع غزة.
أن تقييد اسرائيل كدولة احتلال لتوزيع المساعدات الإنسانية على عدد قليل من المواقع في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وتجاهل المناطق الأخرى ”سيكون تمييزيًا” بشكل صارخ، وقد يدفع إلى موجة أخرى من نزوح الفلسطينيين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه وهذا ما تسعو له إسرائيل وهو تهجير الفلسطينيين قسرا من مكان الى اخر وفي نهاية المطاف محاولة طرد السكان الى خارج فلسطين بسبب هندسة الجوع.
كما يهدف هذا المخطط إلى تجاهل عمل ”منظمة الأونروا الدولية” في قطاع غزة وتقويض عملها القانوني؛ حيث قام جيش الاحتلال الاسرائيلي بقُتل أكثر من 400 عامل إنساني في غزة، معظمهم قتل بغارات إسرائيلية مخطط لها بدقة، والبعض الاخر قتل برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك منذ بدء العدوان الاسرائيلي في 7/أكتوبر 2023، وفقًا لتقارير المنظمات الدولية والأمم المتحدة.
وأخيرا يمكن القول، ان حكومة الاحتلال الاسرائيلي ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المتورط في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يسعون جميعا إلى اعتماد مخطط استعماري جديد عبر استمرار الإبادة الجماعية ومخطط ”هندسة التجويع” الهدف الأساسي منه إعادة احتلال قطاع غزة بأكملها وإنشاء إدارة مدنية تحت اشراف عسكري في غزة كما كان معمول به قبل اعادة الانتشار العسكري لجيش الاحتلال الاسرائيلي عام 2005 وانسحابه من قطاع غزة، مع ضرورة الإشارة الى أن إنشاء مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية هو بمثابة خطوة أولى في هذا الاتجاه تنفيذا لتوجيهات الأحزاب الإسرائيلية، مثال حزب ابن عفير، وحزب سموتريتش اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو، حيث دعا هؤلاء الوزراء و أعضاء الكنيست الإسرائيلي المتشددون صراحة إلى تجويع سكان قطاع غزة وثم اعادة الاستيطان فيه بالقوة العسكرية.
*أستاذ العلاقات الدولية