‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د مالك منصور (لندن): التقاعد الإجباري.. مغالطة عصرية وحاجة ملحة للمراجعة

يمثل فرض التقاعد بين سن الستين والخامسة والستين قرارًا يتعارض تمامًا مع الحكمة الإلهية والمنطق الإنساني. تبحث هذه الورقة، مستندة إلى المصادر الإسلامية والرؤى الصوفية، في مختلف أبعاد هذه القضية.

الأربعون: ذروة النضج الوجودي

يحتل سن الأربعين مكانة خاصة في المنظومة الفكرية الإسلامية. يصرح القرآن الكريم بأن هذا العمر هو فترة كمال الإنسان ونضجه الفكري والروحي: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ…” (سورة الأحقاف، الآية 15).

يعتقد مفسرون كبار مثل الإمام القرطبي والإمام ابن كثير أن جميع القدرات العقلية والجسدية والروحية للإنسان تبلغ ذروتها في سن الأربعين. ومن اللافت أن العديد من الأنبياء، بما فيهم النبي محمد (ص)، بُعثوا بالرسالة في هذا السن بالذات.

السبعون: بزوغ فجر الحكمة الباطنة

إذا اعتبرنا الأربعين بداية النضج، فإن السبعين هي ذروة نضوج الحكمة والمعرفة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد: “مَنْ بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً أَحَاطَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ” (مسند أحمد).

يعبر ابن عربي، الصوفي المعروف، عن هذه الحقيقة بقوله: “كمال الإنسان الحقيقي ليس في شبابه، بل في كشفه ومعرفته الباطنية. عندما تضعف الحواس الظاهرة، تنفتح عين القلب.”

كلمة “عجوز”: ضرر نفسي-اجتماعي

إن استخدام كلمة “عجوز” للمسنين ليس مجرد مصطلح غير ضار، بل هو شكل من أشكال العنف الرمزي الذي يضعف المعنوي ويقلل من الثقة بالنفس لدى هذه الشريحة القيمة. يشير الإمام الغزالي محقًا إلى أن “احترام المسن هو في الحقيقة احترام لله.”

الروح: خالدة لا تهرم

من المنظور الإسلامي، روح الإنسان لا تقيدها الزمان ولا المكان. يقول القرآن الكريم: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي…” (سورة الإسراء، الآية 85). هذه الحقيقة تعلمنا أن روح الإنسان لا تتقاعد أبدًا وهي دائمًا طالبة للكمال والنمو.

التقاعد الإجباري: تناقض صارخ

من المذهل أن في نظامنا القانوني، الزواج في سن الثمانين مسموح، لكن العمل في سن السبعين ممنوع! هذا التناقض الواضح يظهر أن نظرتنا للمسنين بحاجة إلى مراجعة جذرية.

الحل المقترح: انتقال الأدوار بدلاً من التقاعد

بدلاً من نظام التقاعد الإجباري الحالي، نقترح تطبيق نظام “انتقال الأدوار”. في هذا النظام:

· يُستفاد من المسنين في أدوار استشارية وتعليمية وإشرافية.
· تُحدد ساعات عمل مرنة لهم.
· تُصان معرفتهم وخبرتهم كرأس مال وطني.

خاتمة

يؤكد كل من ابن عربي والرومي والغزالي على حقيقة واحدة: رحلة حياة الإنسان هي رحلة صعود وسمو، وليست هبوطًا وانحدارًا. إذا كانت أبواب الوحي تنفتح في الأربعين، فإن أبواب الحكمة والمعرفة تنفتح للإنسان في السبعين.

لنضع aside هذه المغالطة العصرية ولنبني مجتمعًا تُحسب فيه حكمة المسنين رأس مال وطني، ولا يُنبذ فيه أي إنسان لمجرد بلوغه سنًا معينًا من ساحة العطاء.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button