‏آخر المستجداتفنون وثقافةلحظة تفكير

د . مولاي علي الخاميري: كيف نفهم معجزة الإسراء والمعراج في وقتنا ونمارس حقائقها المصاحبة لنا

معجزة الإسراء والمعراج لم تكن من ناحية مضامينها والدروس المستفادة منها خاصة بالرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي قام برحلته العظيمة ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، ثم صعوده إلى السماوات العلى في ليلة السادس والعشرين من مثل شهرنا رجب بعد مضي عشر سنوات أو ما يزيد عن البعثة المحمدية بحسب منطوق اختلاف الروايات ، وإنما كانت تمثل رحلة الإنسان الوجودية بصفة عامة ، ورحلة الإنسان المومن نحو ربه بصفة خاصة على اعتبار أنها حدثت لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في وقت لم يعد له فيه ملجأ ، أو سند سوى الله سبحانه وتعالى .

ومن هنا ينبغي على كل إنسان أن يتأمل أحداثها كاملة ، أو بعضا منها ليرى مدى التلاؤم الحاصل بين ما وقع للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وبين وقائع حياته الخاصة ، ويمكن أن نستخرج منها دروسا جديدة ، توافق زمننا ، ومسايرة لمطلق الحياة كما يعيشها الآدمي كما سنرى من الآتي :

1 – لا حبل ولا سند يدوم مثل دوام حبل الله وسنده : لَمَّا شعر رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بانعدام النصير بعد موت عمه وزوجته أمنا خديجة رضي الله عنها وما تلا ذلك من تبعات مشاق الدعوة ، وخروجه للقاء الوفود القادمة إلى مكة في مواسمها المختلفة ، ثم ما وقع له من مآسي في مدينة الطائف حين ذهب للبحث عن النصير المرجو……

في هذا الوقت الحرج بشهادة هذه المناجاة المحمدية العميقة ( اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك ) بعد هذه المناجاة المعبرة أكرمه الله تعالى بمعجزة الإسراء والمعراج ليبين له قدرته المطلقة ، وليوقفه على حقيقتين متكاملتين :

الأولى أن حبل الله القوي هو الحبل الذي لا ينقطع أبدا ، قد يشعر الإنسان بالعزلة والغربة والضياع في أوقات الضغط والابتلاء ولكن إرادة الله وقدرته المطلقة حاضرة باستمرار وبمعيته ، فمن ضروب الإيمان المسبب للاطمئنان والسكون أمام هول الأقدار استشعار وجود الله وقربه ، والثقة في فرجه القريب .

الثانية أن ( مع العسر يسرا…..) تتحقق في الحياة كلما اشتد البلاء ، وتوالت الويلات ، وأنها طريق الرسل والأولياء والصالحين ، وطريق مُجَرب ومُوصِل إلى اليقين بوجود الخالق الرحيم بعباده .

2 – الحياة وازدواجية وقائعها ما بين الحلال والحرام : في واقعة عرض إناءين مملوءين باللبن والخمر على المصطفى عليه الصلاة والسلام إشارة قوية على أن الحياة تضم التناقض والمتناقض في كل شيء ، تضم الحق والباطل ، والخير والشر……وأن من يظن غير ذلك ، ويعتقد بوجود طرف دون طرف هو كمن قال الله تعالى فيهم ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ – الحج :11 ) .

يكفي أن نعلم من كلام جبريل عليه السلام وهو يخاطب نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم لما اختار اللبن ( هُدِيت أو اخترتَ الفطرة ) أن الإنسان حر في أفعاله واختياراته ، وأنه معرض للاختبار والابتلاء طيلة حياته ، بالإضافة إلى أن معجزة الإسراء والمعراج تغرس هذا المبدأ في نفسية كل مومن ، وتحمله مسؤولية أفعاله ، ولا يعتد بادعاءاته التبريرية المختلفة كما فال الله تعالى : ( بَلِ اِ۬لِانسَٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ بَصِيرَةٞ وَلَوَ اَلْق۪ىٰ مَعَاذِيرَهُۥۖ  : القيامة 14 \ 15 ) .

3 – الصلاة تحقق معنى الإسراء والمعراج المستمر استمرار الحياة : الصلاة لأهميتها فرضت على المومنين أثناء المعراج إلى السماء ، وبلا واسطة ، وعندما نتأمل جيدا الحدث كما جرى سنقف على مجموعة من الاستنتاجات ، وهي :

ا – إن فضائل معجزة الإسراء والمعراج لم تقف عند حدود شخصية رسولنا الكريم وإنما هي متاحة لكل المومنين عندما يمارسون شعيرة الصلاة ، على الأقل خمس مرات في اليوم والليلة .

ب – فرض خمس صلوات يوميا فيه دليل على أهمية معجزة الإسراء والمعراج ، وعلى أهمية الصلاة القصوى ، وعند المقارنة بين شعائر الإسلام وأركانه سنلاحظ أن الصلاة ليست شعيرة سنوية كالصيام ، أو مطلوبة مرة واحدة في العمر إذا تحققت الاستطاعة كما الحج ، وليست تخضع لمعايير الزكاة التي لا تجب إلا على من توفرت فيه شروط خاصة وإنما هي رحلة يومية في ملكوت السماوات والأرض ، يلتقي العبد فيها بربه ويتحقق له معنى الإسراء والمعراج الخاص به والمستمر معه .

ج – لمعجزة الإسراء والمعراج حضور دائم في وجود الإنسان ، ويشمل حياته وموته وما بعد النشور ، وفيه معنى القرب من الرب الذي يطمح إليه كل آدمي ، يقول نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام : ( أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء ) .

غير أن مفهوم القرب يخضع لضوابط مستفادة مما تقتضيه المراحل الوجودية الذي يمر منها الإنسان ، وقد تكون لها علاقة بالنظرة العظمى ، أو تنتهي بها وهي الغاية الفضلى كما ورد في قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى ربها ناظرة – القيامة : 22 ) .

د – لذا كان فرض الصلاة على العبد بالطريق المشار إليه ، وكانت ضرورية ولصالح الإنسان ، وفي متناوله ، وبنيت على السهل من الأعمال ، والتحبيب النفسي المتاح والمساعد للعبد في لقاء ربه ومناجاته بصفة مباشرة ، وقد تضمنت كل مجريات الوقائع التي حدثت لنبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام من جهة الحركات والأفعال والمضامين المتجلية ، والنتائج المرجوة من فعل الصلاة .

ذ – لو فَهِم المسلم مغازي الصلاة كما تستفاد من معجزة الإسراءوالمعراج ، وعلم أنها لصالحه ، وتعد الوسيلة الوحيدة التي تقربه من ربه كل يوم وبمرات مكررة مقارنة ببقية الشعائر الأخرى ، وليس فيها مقتضى الإجبار كما يشاع ، بل على العكس هي رحمة مهداة ، وجدت من أجل تنبيهه وتحصيل السعادة له ، وجني الثمار…. لو علم كل ذلك لَمَا تهاون وتكاسل ، وغَفِل عنها وهي فرصته الوحيدة والقليلة المقدار ، وبصورتها البسيطة لإنقاذه مما قد يلهيه ، ويتعبه في حياته الزائلة ، ويجعل مصيره – لا قدر الله – مخزيا ومظلما .

ما كتبناه هو شيء يسير مما يمكن استنتاجه من معجزة الإسراء والمعراج ، ويبقى المجال مفتوحا أمام كل دارس منصف للاستدلال بالمعجزات على وحدة الوجود والمصير الآدمي ، كما تعنيه أطوار الحياة الماضية لحد الآن ، وهو وجه جديد يُستَدَل به على ضرورة المعجزة ، وصدقها ، ووظيفتها التربوية والعلمية المشتركة بين حياة الأنبياء والرسل المرسلين ، وبين حياة كل فرد مَرَّ على مسرح هذه الحياة بحسب مستلزمات المكان وزمان الوقوع ، والمسلمون محظوظون كثيرا بالمعجزات الحاصلة لنبيهم محمد عليه الصلاة والسلام ، وعلى رأسها معجزة الإسراء والمعراج ودلائلها المتضمنة فيها ، الحية في وقوعها والضامنة لاستمراريتها على مستوى الأفعال والنتائج الحسنة المقتنصة .

‏مقالات ذات صلة

Back to top button