
كانت الخطة معروفة عند الخاصة، باتت اليوم معروضة أمام العامة. خطة “الدولة اليهودية” على الأرض العربية، كل الأرض العربية، من النهر إلى الفرات، وإلى ما بعد الفرات، وما بعد ما بعد الفرات. كان الأمر مكشوفاً، أضحى مفضوحاً. فضحه طوفان الأقصى. كانت الخطة تُطْبَخُ على نار هادئة، طوفان الأقصى أفسد على الكيان الحفل، وأسقط القناع عن صُنَّاعِها، والعاملين عليها، كما أسقط القناع عن قناع المتخاذلة قلوبُهُم، والمتواطئة سيوفُهُم. خريطة الطريق الصهيونية خطت خطوات نحو التحقيق منذ طوفان الأقصى.
سقوط سوريا خطوة مفصلية فيها، ومصر قد تكون هي “اللمسة الأخيرة”، الكرزة فوق الكعكة، قبلها لبنان، والأردن، وبعدها السعودية وما بقي من الخريطة. مِن العرب مَن يرى أن “الواقعية” تقتضي جلْب السلامة، ودرْء الندامة، وأن السلامة تقتضي الذهول عن كل ما يحدث في غزة. وقديماً قالوا :”من سَلِم من السهم شجَّه القوس”.
وحدها المقاومة واقفة، صامدة، حائلة دون إنفاذ المشروع الصهيوني، وتحويل الأوهام التلمودية إلى أمر واقع. المشروع الكولونيالي الصهيوني نفيٌ ل”المشروع النهضوي العربي” الذي بُنِيَ على سِتّ : “الاستقلال الوطني والقومي، الديمقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الوحدة، التجدد الحضاري” (مركز دراسات الوحدة العربية، 2010). من منا لا يؤمن بهذه الأركان؟ من منا لا يتطلع إلى العيش تحت سقفها هنا والآن؟ المشروع لم يجد، إلى اليوم، من يحمله، من يدعمه، ويطوره، ويُغْنيه، ويُحوِّله من عرْضٍ فكري إلى مشروع سياسي ل”بناء القدرة الاستراتيجية الذاتية، ومواجهة المشروع الصهيوني، ومقاومة الهيمنة الأجنبية، ولتحرير الأرض العربية”. “إيديولوجيا قومية متهافتة، ومتقادمة”، يقول البعض.
أقول، بل هو “نداء المستقبل”، تحركه الحاجة، وتقتضيه الضرورة، ويستدعيه الوعي. لمصر يعود الدور القيادي في الاستنهاض هذا، العاجل وليس الآجل، فهي التي في وسعها وحدها، الآن وليس غداً، نسج تحالف حضاري واسع يشمل ثلاثة “عصبيات مختلفة” لكنها متوحِّدة في “عصبية مشتركة”، ثقافية وحضارية، تتشكل من الدول العربية، وتركيا، وإيران. تحالف سياسي، عملي، نفعي، لا عقدي ولا طائفي، من شأنه، بالبناء على الرجة التي خلفها طوفان الأقصى، قلب موازين القوى إقليمياً وعالمياً، وإفشال الاستراتيجية الإمبريالية، وإعدام الخطة الصهيونية جملةً وتفصيلاً.