
(كش بريس/وكالات ـ خاص)ـ أثار تسريب خطة أمريكية–إسرائيلية تحمل اسم “صندوق إعادة بناء غزة والتسريع الاقتصادي والتحول”، أو ما وُصف إعلاميًا بـ“ريفييرا غزة”، جدلًا واسعًا بعدما كشفت صحيفة واشنطن بوست مضمونها، فيما نقلت الغارديان تحليلات متقاطعة اعتبرتها محاولة لإخفاء مشروع تهجير قسري يرقى إلى جريمة تطهير عرقي وربما إبادة جماعية.
مضمون الخطة: إعمار على أنقاض الشعب
الخطة المكونة من 38 صفحة تقترح “النقل المؤقت لجميع سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة”، بزعم تمكينهم من العودة لاحقًا إلى “مساكن جديدة” صغيرة لا تتجاوز 30 مترًا مربعًا. كما تقترح تقديم “رموز رقمية” لأصحاب الأراضي، تُستبدل بمشاريع استثمارية في أماكن أخرى، مع تحويل غزة إلى مجمع مدن عالية التقنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، على غرار مشروع “نيوم” السعودي.
غير أن جوهر الخطة يكشف استهدافًا مباشرًا للبنية الديموغرافية والسيادية للفلسطينيين: مصادرة مساحات زراعية شاسعة لإنشاء منطقة عازلة إسرائيلية، وإبقاء السيادة والحقوق الأمنية بيد تل أبيب، مع إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية لصالح “كيان سياسي” ينضم إلى اتفاقيات أبراهام.
ردود الفعل: بين السخرية والتحذير القانوني
- منظمات حقوقية مثل ترايل إنترناشونال وصفت الخطة بأنها “ترحيل جماعي مُقنّع بالتنمية”، محذرة من مسؤولية قانونية قد تلاحق الشركات والحكومات المتورطة لعقود.
- قانونيون مثل كاثرين غالاغر (مركز الحقوق الدستورية) شددوا على أن أي شركة تشارك في تنفيذ هذه المشاريع قد تُحاكم بموجب الولاية القضائية العالمية بتهم تشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
- تحليلات سياسية رأت أن الخطة تعكس طموحات شخصية مثل ترامب وإيلون ماسك ومحمد بن سلمان، أكثر مما تعكس رؤية عملية قابلة للتطبيق.
- حتى في الإعلام الإسرائيلي (هآرتس) وُصفت الخطة بأنها “وهم ترامبي للثراء السريع يقوم على جرائم الحرب”.
البعد السياسي: غزة بين “صفقة القرن” ومخططات الهندسة الديموغرافية
يبدو أن المشروع ليس سوى نسخة أكثر صراحة من سياسات قديمة: تجريد غزة من السيادة، منع قيام دولة فلسطينية، وإعادة صياغة وجود الفلسطينيين كأرقام قابلة للنقل والإزاحة. وهو ما ينسجم مع خطاب ترامب المعلن حول “تطهير غزة”، ومع المقاربة الإسرائيلية المستمرة منذ عقود لإبقاء الفلسطينيين في حالة حصار دائم.
- البعد الإنساني: الخطة تتجاهل واقع مليوني إنسان يعيشون في ظروف مأساوية، وتحولهم إلى مادة استثمارية أو عبء يجب التخلص منه.
- البعد القانوني: أي تهجير قسري يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويدخل ضمن تعريفات التطهير العرقي وربما الإبادة الجماعية.
- البعد الاقتصادي–الاستثماري: ربط إعادة الإعمار بمشاريع بمليارات الدولارات يفرغ المسألة من بعدها الحقوقي، ويحوّل المعاناة إلى “فرصة تجارية”.
- البعد الرمزي والسياسي: المشروع يكشف كيف تُستخدم لغة “التنمية والابتكار” لتغطية سياسات إقصاء وسيطرة استعمارية، في وقت يُفترض فيه أن تكون الأولوية لرفع الحصار وضمان حق تقرير المصير.
إن ما يسمى بـ“ريفييرا غزة” ليس سوى رواية مموّهة لسيناريو قديم: إخراج الفلسطينيين من أرضهم تحت غطاء التنمية. وإذا كانت بعض الدوائر الغربية تراه مجرد “خطة جنونية”، فإن خطورته تكمن في أنه يعكس تصورات راسخة لدى واشنطن وتل أبيب، مفادها أن غزة ليست كيانًا سياسيًا أو بشريًا له حقوق، بل مجرد مساحة يمكن إعادة هندستها وفق مصالح القوى الكبرى.