
(كش بريس/التحرير)ـ
مرة أخرى، تنكشف هشاشة الجهاز الحكومي أمام امتحان المأساة الإنسانية. فبعد أكثر من عام على زلزال الحوز، لا تزال آلاف الأسر تواجه البرد، والخيام، والوعود المؤجلة، بينما تستمر الحكومة في تقديم أرقام مطمئنة لا تسندها الوقائع على الأرض.
التنسيقية الوطنية لضحايا الزلزال أطلقت صفارة إنذار جديدة، مؤكدة أن “الخطاب الرسمي حول الدعم والإعمار لا يعكس الحقيقة المرة التي يعيشها المتضررون”. فمئات الأسر، حسب قولها، تم إقصاؤها نهائياً من لوائح الدعم، رغم أن منازلها انهارت فوق رؤوسها، فقط لأن بطاقاتها الوطنية تُظهر عناوين مدن عملها لا قراها الأصلية المنكوبة.
هذا التناقض الصارخ بين الوثيقة والواقع يكشف عمق العطب الإداري الذي يحوّل الكارثة الطبيعية إلى نكبة بيروقراطية. بدل أن تكون الإدارة أداة للإنصاف، تحوّلت إلى حاجزٍ يمنع العدالة. كيف يمكن لدولة أن تبني الحجر وهي تعجز عن قراءة الوجع في الوجوه؟
البلاغ ذاته يفضح اختلالات مالية صارخة: فالمبلغ المخصص لما يسمى “الهدم الجزئي” (80 ألف درهم) صُرف لعشرات الآلاف من الأسر، رغم أن مساكنها دُمّرت بالكامل، وكأن الأرقام تُدار بمنطق المحاسبة الباردة لا بمنطق العدالة الاجتماعية.
الجانب الأكثر مأساوية هو توقف الزمن المدرسي في المناطق المنكوبة؛ آلاف التلاميذ يعيشون في حالة ضياع تعليمي، ومدارس لم تُبنَ بعد، ووعود بالإصلاح تبخّرت في دهاليز اللجان والتصريحات. أي معنى لحق في التعليم حين يصبح التلميذ نازحاً في وطنه؟
إن الحكومة، التي تتحدث عن “إعادة الإعمار الشامل”، تبدو اليوم عالقة في إعادة إنتاج الخطأ ذاته: غياب الرؤية الميدانية، انعدام التنسيق، وتغليب منطق “التدبير من فوق” على حساب صوت الأرض والناس. فالمأساة لم تعد في ركام البيوت، بل في ركام الثقة.
تطالب التنسيقية بلجنة استطلاع برلمانية، ولجنة لتقصي الحقائق، وهي مطالب لا تعبر فقط عن الرغبة في المحاسبة، بل عن أزمة أخلاقية أعمق في العلاقة بين الدولة والمواطن. إذ كيف يمكن أن نتحدث عن “وطن واحد” بينما الضحايا ما زالوا في العراء، ينتظرون شتاءً آخر بقلوب مثقلة بالخذلان؟
لقد أثبت زلزال الحوز أن الأزمة لم تكن جيولوجية فقط، بل سياسية وإدارية بامتياز. فالكارثة لا تقع حين تهتز الأرض، بل حين تتصدع قيم العدالة والتدبير والمسؤولية. وما لم تدرك الحكومة أن إعادة البناء تبدأ من الإنسان قبل الحجر، فإنها ستبقى تدور في حلقة الخراب ذاتها، مهما تعددت الخطط واللجان والخطب.