‏آخر المستجداتالرياضة

“سرقة ممنهجة” تهز الاتحاد الدولي لألعاب القوى: 1.5 مليون يورو في مهب الفساد الإداري

(كش بريس/التحرير)ـ أثار إعلان الاتحاد الدولي لألعاب القوى عن تعرضه لعملية “سرقة ممنهجة” خسِر فيها ما يزيد على 1,5 مليون يورو، موجة من التساؤلات حول آليات الحوكمة والرقابة المالية داخل كبرى المؤسسات الرياضية العالمية، في وقت تتجه فيه هذه الاتحادات إلى تعزيز شفافيتها واستقلاليتها المالية تماشياً مع المعايير الدولية الجديدة في الإدارة الرياضية.

الواقعة التي تم الكشف عنها عقب تدقيق مالي دقيق امتد لعدة سنوات، تشير إلى تورط موظفين ومسؤولين سابقين في تحويلات مالية غير مشروعة داخل النظام الإداري للاتحاد، الذي يوجد مقره في إمارة موناكو. وقد سارع الاتحاد إلى تسليم الملف إلى السلطات القضائية المختصة، في خطوة تُبرز رغبة واضحة في معالجة القضية بشكل مؤسساتي وقانوني، لا بالتسويات الداخلية المعتادة في الوسط الرياضي.

ويبدو أن الحادثة تمسّ جوهر صورة الاتحاد، الذي حاول خلال السنوات الأخيرة – تحت قيادة البريطاني سيباستيان كو – ترسيخ سمعته كأحد أكثر الهيئات الرياضية التزاماً بمبادئ الشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة. فالرئيس كو أكد عزمه استخدام “كل الوسائل القانونية الممكنة” لاستعادة الأموال المنهوبة، منتقداً ثقافة “التستر الإداري” التي سمحت في الماضي بتكرار حوادث مشابهة داخل مؤسسات رياضية كبرى.

من الناحية الاقتصادية، تمثل قيمة المبلغ المسروق (1,7 مليون دولار) رقماً غير هامشي، إذ يعادل أكثر من نصف مجموع الجوائز المالية التي خصصها الاتحاد للفائزين بالميداليات الذهبية في أولمبياد باريس 2024، والبالغة 2,4 مليون دولار. هذا التوازي الرقمي يُبرز حجم الخسارة في سياق رمزي بقدر ما هو مالي، ويكشف هشاشة بعض منظومات المراقبة الداخلية التي لم تتطور بالسرعة نفسها التي شهدتها الإيرادات والتوسعات التنظيمية للاتحاد، خاصة أن إجمالي الإيرادات السنوية بلغ نحو 99,4 مليون دولار سنة 2024.

من زاوية رياضية–اقتصادية، فإن الحادثة تأتي في وقت حساس بالنسبة للاتحاد الدولي، الذي يستعد لإطلاق بطولة العالم النهائية لألعاب القوى العام المقبل، وهي تظاهرة يُعوَّل عليها لإعادة تسويق الرياضة وتحقيق مداخيل ضخمة، إذ ستمنح جوائز مالية تصل إلى 10 ملايين دولار، منها 150 ألف دولار للبطل الواحد. أي خلل في الثقة المؤسسية قد ينعكس سلباً على صورة الاتحاد أمام الرعاة والمستثمرين والشركاء الإعلاميين، الذين يشكلون العمود الفقري لتمويل النشاط الرياضي الحديث.

تحليلياً، لا تقتصر دلالات الحادث على البعد المالي فقط، بل تمتد إلى المصداقية التنظيمية، إذ تُبرز الحاجة الملحّة إلى نظام رقابة داخلية أقوى في الاتحادات الرياضية التي أصبحت تدار بأرقام توازي ميزانيات شركات كبرى. فالتحول المالي الذي عرفته الرياضة العالمية في العقدين الأخيرين، جعلها أكثر عرضة لمخاطر “الفساد الإداري الأبيض” القائم على الثقة المفرطة في الكوادر التنفيذية.

من جهة أخرى، فإن موقف الاتحاد في التعامل بشفافية مع القضية وإعلانها للعموم يمثل، في حد ذاته، مؤشراً إيجابياً على نضج مؤسسي يميزه عن منظمات رياضية لطالما واجهت اتهامات بالتعتيم أو بتسويات داخلية. إذ إن الاعتراف بالخسارة ومباشرة الإجراءات القانونية العلنية ينسجم مع الرؤية التي يتبناها كو حول “الرياضة كمنظومة أخلاقية قبل أن تكون تنافسية”.

تعيد هذه الحادثة تسليط الضوء على التداخل الدقيق بين المال والرياضة والحوكمة، مؤكدة أن الشفافية ليست مجرد شعار تنظيمي بل شرط وجودي لاستدامة المؤسسات الرياضية الكبرى. فبينما تتجه ألعاب القوى نحو حقبة جديدة من الاحتراف التجاري والتنافس المالي، يظل بناء الثقة – لا فقط في الميدان ولكن في مكاتب الإدارة – السبيل الوحيد لضمان مصداقية الرياضة وعدالتها.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button