‏آخر المستجداتلحظة تفكير

عبد الله العلوي: الــســفــه فــي الــهــنـد

أقام رجل الأعمال الهندي موكيش امباني، حفل عرس لابنه في مدينة زنجار غرب الهند، حضره أغلب نجوم سينما بولييود، كما حضره بيل غيتس امبراطور الحواسيب في أمريكا، وعائلة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وآلاف من المدعوون، وسيستمر الزفاف أو العرس حتى يوليوز 2024 المقبل عندما سينعقد بشكل نهائي. وتقدر تكاليف هذا الزفاف بحوالي مائة مليون دولار، وموكيش امباني هذا يملك منزلا من 40 طابقا في بومباي ثمنه الأدنى ملياري دولار ويحرسه الجيش والمدرعات العسكرية.

رجل الأعمال الهندي موكيش امباني

والهند التي تعرف مآسي اجتماعية لا حصر لها، فنصف البيوت الهندية بدون مراحيض، كما أن حوالي 600 مليون هندي أي نصف الشعب يعيش على دولار واحد في اليوم، بالإضافة إلى أن أكثر من مئتا مليون نسمة ينامون في الشوارع أفراد وعائلات، وعندما يمر القطار في صحاري وأودية وجبال الهند هناك الآلاف من الرجال مقرفصين لقضاء حاجاتهم، وينظرون إليك وتنظر إليهم بلا خجل من خلال زجاج القطار أو القطارات التي بدون زجاج وما أكثرها في الهند. والحفل المذكور أحيته المطربة الأمريكية ريهانا التي تقاضت 7 مليون دولار عن الأربع ساعات التي رقصت فيها بالعرس، وهناك أخبار مزعومة على كون نجوم بولييود تقاضوا مبالغ مالية مقابل حضورهم، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، فنجوم بولييود يخافون موكيش امباني أكثر مما يحتاجون أمواله، فبعد القضاء على حزب “شيف سينا” الذي كان يحكم ولاية مهاريشترا وعاصمتها بومباي أو مومباي بزعامة ابن أخت بال تاكيراي – توفي في 2012- وهو رسام  كاريكاتير

بال تاكيراي إلى جانب الأسطورة أميتابتشان

تحول إلى السياسة وأسس حزبا طائفيا نجح دائما في السيطرة على انتخابات الحكومة المحلية بمومباي، كذلك سقوط عصابة آرون غاوول، وعصابة إبراهيم داوود، بعد تفجيرات مومباي في 1992 التي جائت إثر تدمير المسجد البابوري الذي دمرته عناصر حزب جاناتا “الشعب” بزعامة رئيس الوزراء الحالي ناريندار مودي، فإن بومباي وولايتها تحولت بوصلتها وسيطر حزب جاناتا على مقاليد الأمور، وبالتالي فإن موكيش امباني الذي كان حتى ماقبل 2014 مجرد رجل أعمال، وكان عظيم بريمجي المسلم، وتاتا الزراديشتي مالك شركات صناعة السلاح وسلسلة فنادق تاج محل أهم في ميادين التجارة من امباني، والذي تحول مع صعود حزب جاناتا وناريندار مودي على الأخص إلى تبوأ المركز الأول في التأثير على القرارات المركزية في الهند، فقد أبرم اتفاقية شراء 300 طائرة ميراج من فرنسا بتكليف من حكومة الهند ومدرعات ودبابات وغواصات، وتحول فجأة إلى أحد كبار سماسرة السلاح في الهند والعالم، كما ارتبط بعلاقة جيدة بالحزب الجمهوري في واشنطن، ويبدو أن علاقة موكيش امباني بدأت مع صعود ناريندار مودي عندما كان هذا الأخير كبير وزراء

ناريندار مودي وموكيش امباني

ولاية كوجرات في غرب الهند -وهي التي أقيم فيها العرس- وكان من ممولي الحزب، وعندما صعد مودي إلى قيادة حزب جاناتا، ثم رئاسة الوزراء على المستوى المركزي، فإن موكيش امباني صار عراب الحزب ومومباي. وقد ظل راهول غاندي زعيم حزب المؤتمر الهندي ونجل راجيف غاندي وحفيد أنديرا غاندي يشير إلى هذه العلاقة المشبوهة، والتي تحولت إلى شراكة مالية ضخمة، كما أن راهول غاندي أكد ما من مرة أن صفقات السلاح التي أبرمها ويبرمها موكيش امباني وراءها عمولات ضخمة يستفيد منها حزب جاناتا وقيادته. وهذا الحزب فرع من منظمة المجلس العالمي الهندوسي الذي يعادي المسلمين في الهند الذين يشكلون 300 مليون من مواطني الهند، بالإضافة إلى أقليات من السيخ والمسيحيين والبوذيين والزراديشت. لقد ضم حزب جاناتا الذي تأسس في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي والذي بالكاد توفر على 3 أعضاء في البرلمان إلى أنه سيطر حاليا على البرلمان الهندي بأغلبية ساحقة 2/3 سمحت له حتى بتعديل الدستور ضدا على المسلمين، كما شيد مقاما لوزير الداخلية الأسبق باتل كلف 400 مليون دولار، وكان باتل ضد تعويض المسلمين أثناء حوادث الانفصال في 1947 حتى أن موهنداس غاندي – اغتيل من طرف هندوسي من المجلس الهندوسي العالمي في 1948- قال له حتى أنت يا باتل. كما شيد حزب جاناتا معبدا على أنقاض المسجد البابري، وهو مسجد تاريخي تم بناءه في 1592 من طرف السلطان محمد بابر أثناء فترة حكم المسلمين للهند 1193-1857- والمعبد الهندوسي كلف مليار دولار. وقد انخرط في هذا الحزب آلاف المتطرفين والانتهازيين حتى وصل عدد منخرطيه إلى حوالي مائة مليون، وصار يشكل رعبا وهوسا للأقليات الهندية، بل حتى للعناصر الهندوسية الأخرى وعلى رأسها حزب المؤتمر المؤسس في 1889 والذي أسس الهند الديمقراطية والفدرالية والعلمانية ويهدف جاناتا إلى إلغاء البرنامج الاجتماعي الذي قاده حزب المؤتمر أثناء رئاسة السيدة أنديرا غادي لمجلس الوزراء 1966-1984.

أنديرا غاندي

إن ما يجري في الهند سواء تعلق بصعود الفاشتستيين الجدد إلى سدة الحكم، وهو أمر لم يخطر ببال جواهر لال نهرو -1889-1964-، ولا أيضا ببال موهنداس غاندي  –1948-1869-، فمنذ مدة صرح آرون غاندي وهو حفيد موهنداس غاندي أن هدف حزب جاناتا وناريندار مودي إلغاء كل ما بنيت عليه الهند من أفكار غاندي ونهرو وأن مودي وحزبه يعادي نهرو وغاندي ولا يؤمن بأفكارهما أصلا، وأن الأمر يتعلق بجماعة ترغب في محو كل تراث الهند المتعلق بالتسامح وما تأسست عليه الهند خاصة دستور 1950.

لقد كان الهنود الأثرياء دائما يخفون ثراءهم، ويحاولون مكافحة الفقر أو التخفيف من قسوته على الشعب الهندي بطريقة ما، لكن العرس الذي أشير له يوضح أن أثرياء الهند تجاوزوا الخطوط الحمراء، وأصبحوا يعلنون بلا مواربة أنهم أثرياء والآخرون فقراء فلهم مصيرهم، فالسفه لم يعد خافيا ولا داعي لإخفائه مادام في السلطة من يحميه وينظر له ، فحزب جاناتا لا يهمه إلا أن تكون هندوسيا؛

*باحث

‏مقالات ذات صلة

Back to top button