
كرّم “سوق الشعر” في باريس في نسخته للعام 2025، والذي انتهت فعالياته الأحد المنصرم، الكُتّاب الفلسطينيين، في احتفال كانت السلطات قد رفضته عام 2024 خوفًا من الاضطرابات السياسية. إنها فرصة لاكتشاف نوع أدبي تجدّد بعمق، خصوصًا بفضل النساء.
قال ألكسندرا شفارزبروت
لطالما ارتبط الشعر الفلسطيني بصورة محمود درويش (1941-2008) وشعره النضالي، الذي جمع بين الطابع الغنائي والحنين. من أشهر مقاطع قصيدته على هذه الأرض:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة:/تردد نيسان،/رائحة الخبز عند الفجر،/آراء امرأة في الرجال،/كتابات إسخيلوس،/بداية الحب،/العشب على حجر،/أمهات واقفات على خيط الناي/وخوف الغزاة من الذكرى.”
كما يمكن الاستشهاد أيضًا بالشاعر الفلسطيني سميح القاسم (1939-2014) الذي تُردد كلماته في قصيدة سأقاوم بشكل يثير الصدى المؤلم مع ما يحدث حاليًا في غزة والضفة الغربية:
“قد تنزع آخر شبر من أرضي/قد تزج شبابي في السجون/قد تنهب تراث أجدادي/قد تحرق قصائدي وكتبي/قد تلقي بجسدي للكلاب/قد تبني جدران الخوف من حولي/لكني لن أساوم/يا عدو الشمس/وحتى آخر نبضة في عروقي/سأقاوم.”
رجال إذًا، تركوا بصمتهم في شعب ممزق، مهمل، ويتوق للاعتراف. دليل على أن الشعر الفلسطيني حيّ، متّقد، صاخب، متحوّل، إذ يتحول اليوم إلى عمق جديد، خصوصًا تحت تأثير النساء، اللواتي أصبحن أكثر حضورًا في هذا النوع الأدبي، للتعبير عن هويتهن، وجراحهن، ونضالهن المزدوج في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومجتمع فلسطيني لا يزال محافظًا جدًا وبطريركيًا.
ونشرت نداء يونس مؤخرًا عن دار النشر “المنار” أنطولوجيا مؤثرة للشعر النسوي الفلسطيني المعاصر بعنوان فلسطين المتشظية، وتجمع فيها قصائد لشاعرات فلسطينيات من مناطق مختلفة: الضفة الغربية، غزة، داخل أراضي 48، والشتات.

تقول نداء:
“أردت أن أُظهر أن الشعر الفلسطيني ليس حكرًا على الرجال. وأردت قبل كل شيء أن أُبرز تنوعه. الفلسطينيات في الشتات كثيرًا ما يتساءلن عن كيفية الحفاظ على ثقافتهن بعيدًا عن الأرض الأم، وعن كيفية ترميم هوية متشظية. أما نساء الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيعبرن عن صعوبات التنقل اليومية داخل أراضٍ تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعن الخوف أيضًا. وأما نساء غزة، فيعشن تحت قمع مزدوج: من الإسرائيليين ومن حماس. في فلسطين، الجغرافيا والسياسة تؤثران حتمًا على الشعر.”
تشارك نداء يونس في “سوق الشعر” في باريس، الذي يُقام حتى الأحد ويستضيف فلسطين كضيف شرف. وإذ عطّلت الحرب التي شنّتها إسرائيل ضد إيران حركة الطيران في المنطقة، الا انها تمكنت بصعوبة من مغادرة رام الله إلى باريس يوم الأربعاء. نداء، المولودة في طولكرم عام 1977، حاصلة على دكتوراه في الاتصال والإعلام، ومؤلفة سبعة دواوين شعرية، وعدة مجموعات شعرية، بعضها نُشر بدعم من الشاعر السوري الشهير أدونيس.
توضح نداء: “في الثمانينات والتسعينات، كان الشعر الفلسطيني يتحدث كثيرًا عن الحنين إلى الوطن، وحلم الحرية. أما اليوم، فإن شاعرات الضفة وغزة والشتات يتحدثن عن أنفسهن بكثرة. يشعرن أنهن فقدن فلسطين كدولة يمكن تحقيقها، ولم يعد ذلك حتى حلما بالنسبة لهن. إنهن فقط يحاولن فهم من هن في هذا العالم الغريب. وبالنسبة لي، فإن هذه الأنطولوجيا طريقة للاعتراف بهن.”
وتتابع، مؤكدة أهمية الجسد كعنصر شعري: “منذ 7 أكتوبر، لديّ جسدان، جسدي وجسد فلسطين.”
وفي مقطع من قصيدتها نحت التناقضات، المضمّنة في الأنطولوجيا: “ تتوقف حدود وجودي حيث تنتهي أصابعي/ جسدي كوخ مؤجر.”

“تكرار الأعتذار للأشجار المحروقة”
الكاتب الجزائري محمد قاسمي، المقيم في باريس والذي درّس المسرح في جامعة غزة، تولّى ترجمة فلسطين المتشظية وكتابة المقدمة. يسلّط الضوء على الفارق بين الشعراء الفلسطينيين القدامى وشاعرات اليوم:
“كان درويش يمثل شعر الغناء. أما هؤلاء النساء، فيكتبن شعرًا ملموسًا، صلبًا، شعرا يلتصق بالواقع ولا يسعى وراء موسيقية اللغة. إنهن يُخرجن الشعر من الإطار القبلي، وينطلقن من الجسد نحو الخارج.”

المصادر:
• Le Monde / Libération – Alexandra Schwartzbrod
• Anthologie « Palestine en éclats », éditions Al Manar
• Entretien avec Nida Younis
• Préface de Mohamed Kacimi
Le Marché de la poésie met jusqu’au 22 juin les auteurs palestiniens à l’honneur alors que cette célébration avait été refusée en 2024 par crainte des remous po… Source : Libération https://share.google/8mfqssSY4zlAMrTlu