
ـ رسالة إلى الأستاذ مصطفى الرميد ـ
المعرفة والطاعة، والدين والعقل، والسياسة والفلسفة كانت ولا زالت من المواضيع التي دار ولا زال يدور حولها الصراع بين المفكرين وأهل المعرفة، وبين أوساط و مدارس الثقافة والفقه في دار الإسلام وفي غيرها وهذا بطبيعته أمر مشجع لانه بصلة مباشرة بالإنسان، وربما كانت هذه القضايا الخلافية من بين التي أدت الى اتخاذ مواقف جذرية من بعض الفلاسفة أمثال ابن رشد والغزالي وابن سينا وغيرهم سواء ينفي بعضهم وإحراق كتب البعض الآخر.. وهي القضايا التي جعلت منظور وعقل الإنسان يختلف من زمان لزمان، وجعلت كبار المفكرين في عصرنا أمثال المفكر عبد الله العروي الذي اعطانا الكثير في مفهوم العقل بعد أن أعطانا في قضايا أخرى مثل الحرية والتاريخ، والدولة، والايديولوجيا….
إن من اطلع على تدوينتك عبر موقعك في مواجهة السيدة ابتسام لشكر قبل أيام، وهي تحمل وعيد الإمام الرقيب المراقب لأتباعه ومريديه، يوحي بأنك لا تقبل الرأي والجدل الذي لا تمنعه لا ديانة ولا عقيدة و لا عقل ، وأنك لم تتوقف عند إبداء خلافك معها حول شكل التعبير الذي اختارته ولم يعجبك ، أو ربما لم تفهم مقاصده – وقد لا يعجب أو لا يفهمه العديد من الناس – ولم تتوقف عند التعليق على ما اعتبرته أنت إساءة صدرت عنها ” للذات الإلهية ” ، بل وضعت عمامة المتطرف والمفتي و ليست ثوب التحريض والوعيد، وطالبت كما تطالب النيابة العامة بإنزال القسوة والحزم القوي ضدها . دون ان تبالي بانك أشعلت نار الحقد والكراهية ضد امرأة، وأطلقت قلمك في وصف تهمها وتحديد مواد القانون لإدانتها فالهمت قريحة ” قضاة الشارع والحانات والمناسبات ” ، ممن يحاكمون الناس في الملأ عوض قضاة المجالس القضائية وجرهم قلمك وكلامك ليطالبوا برأسها، ومن يدري فقد تكون كتاباتك وراء استفزاز طائش من المحتمل وقوعه عليها لا قدر الله، ولكن لذي لا شك فيه هو أنك ستكون سعيدا عندما تحملها أحكامهم العشوائية للمقصلة بفضل تقلدك لدور الإتهام ودور الحكم، وانت لست لا قاضيا جالسا و لا قاضيا للاتهام….
تذكر أنك كنت قبل سنوات رئيسا للنيابة العامة ، تعطي التعليمات كيفما شئت أو تنفذها كيفما أعطيت لك باعتبار صفتك كوزير العدل أنذاك، واليوم أصبحت جالسا على منصة محكمة الشارع تستعمل خريتك في الرأي وفي التعبير، وتدعو لقمع حرية غيرك في الرأي وفي التعبير باستعمال مرجعياتك الأيديولوجية والسياسية، وتمنع عن غيرك ألا تكون له ايديولوجيته وعقل واختيارات، وتتناسى أن الحق في الرأي والتعبير حق كوني يتساوى أمامه كل من ينتمي للانسانية دون تمييز .
بالطبع من حق كل واحد أن يمارس حق النقد وهذا أمر تعرفه، ولا احد يمنعك من الاختلاف مع الآخرين رجالا أو نساء في الفكر و القناعات والسلوك، ولكن عليك ألا تستفز الفتن والغضب والتعصب فلست وصيا لا على عقل أحد ولا على عقيدة أحد ولا على أقوال أحد ولا على انتماء احد، لأن هناك من هم مكلفون بنشر وبتطبيق القانون وحماية الأمن و إصدار الأحكام وتنفيذها وحراسة المعابد وتعلم أن هناك العديد من الاختلاف حول عدد من المسائل العقائدية والدينية ظل واردا و مؤججا منذ ابتدأت الرسالة وإلى الآن، فانتشرت المذاهب، و درج الفقهاء يتحججون ويتلاستون لدرجة التخمة حول مسائل معقدة مثل الاختلاف حول الذات الالهية و الوجود و البعث والجنة والنار والملائكة والأنبياء والصلاة والزواج والإرث …. الخ متفرقون فيما بينهم في التاويل و المقاربات….
و ختاما
اقترح عليك أن تترك المسطرة التي انطلقت تجري مجراها بين يدي القضاء باحترام، وأن تمتنع ممارسة أي عمل قد يؤثر على مسار العدالة، أو قد يفهم هكذا، لأن مثل هذا السلوك يعاقب عليه القانون كذلك بمنطق العقاب الذي تحدث أنت عليه فأنت محام وتعلم ان المحامي لا يعط تعليمات للقضاء، وإن كنت متضررا فتقدم طرفا مدنيا ضد السيدة لشكر وادخل المسطرة من بابها الأصيل وليس من خلفها ، واجعل مواجهتك معها حضورية وعلنية إن كنت تؤمن حقيقة بفلسفة المحاكمة العادلة … اتمنى ان تكون محاميا تقاتل من أجل الرأي الذي لا يعجبك … وأما كسياسي وحزبي فالأمر أمرك يهمك وحدك….
ما أحوجنا احيانا الرجوع والتذكير بمقولات حكماء الأنوار….