‏آخر المستجداتفنون وثقافة

عبد الرحيم العلام يوجه رسالة مفتوحة إلى محمد برادة: في انتحار المعنى …

إلى الأستاذ محمد برادة الرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب.

تحية تقدير ومحبة،

لم أكن أرغب في الرد على ما صدر منك من تصريحات مغرضة في معرض الكتاب، احتراما لك ولموقعك الرمزي والاعتباري، ولما أكنه لك من ود وتقدير، لكن تَعذُر اللقاء بك بالبلد، هو ما حفزني على الكتابة إليك بعد انقطاع دام لفترة طويلة، وإن كنت أجهل الأسباب. ما يهم، هو أن شوقنا واحترامنا ومحبتنا لك، كلها واجبات ستظل قائمة وممتدة فينا وفي غيرنا من الأجيال، لكونها قد تأسست على أرضية محبة صلبة، جمعت، في بدايتها، ذلك الطالب الذي كنتُه بأستاذه الذي سيظل… ولن أنسى ما حييت، شهادة أختنا المناضلة الكبيرة والدبلوماسية الرفيعة الأستاذة ليلى شهيد، حين خاطبتك بصدق، ونحن الثلاثة لحظتها واقفون بفناء بيتي الأول بحي ديور الجامع بالرباط، وهي تتقصدنا معا بالكلام، بعد كل ما عاينتْه هي من تفاصيل محبة صادقة: “ها هو أحد أصدقائك الحقيقيين يا امحمد”، كان ذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي، ذات أمسية جميلة جمعتنا ببعض الأصدقاء، فامتدت سهرتنا إلى أن تبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وهي الشهادة نفسها التي كررتها مناضلتنا الكبيرة، حفظكما الله معا وأطال في عمركما، ونحن ببيتكما البديع ببروكسيل، ذات صيف بلجيكي رائق، وذات مأدبة فلسطينية لذيذة، من يدي سيدة الفرح الفلسطيني…

وغيرها كثير من المحطات الجميلة والراسخة، والتي كانت دائما تضعني في مرتبة ذلك الصديق الذي كنته وسأظل، ليس هنا مجال استحضارها، بما تضمره من تفاصيل وتذكرات ولغات الكلام، سواء هنا في البلد، كما هي الحال إبان رحلتنا الجميلة إلى مجموعة من مناطق الأطلس المتوسط الجميلة، حيث جمعتنا لقاءات رواية “لعبة النسيان” بقرائك ومعجبيك، من الأساتذة والتلاميذ والطلبة، في ابزو، ودمنات، وأفورار وبني ملال، وغيرها، احتفاء بروايتك الأولى، وقد أثارت لدى المتلقين وقتها دهشة حداثية لافتة…

حدث هذا، في فترات زمنية سابقة ستظل موشومة في ذاكرتي، قبل أن يدرك بعضهم، متأخرين، أن قلب السي محمد برادة، يسع البلاد والعباد، وإن فاتهم إدراك استحالة امتداد قلبه في جماعة المفترين والانتهازيين، فسلك بعضهم، للأسف الشديد، طريقا آخر ملتويا، فوصلوا متأخرين، يتامى، إلى “صداقتك”، لكنه وصول ظل موقوف التنفيذ وبلا طعم ولا رائحة، بل بنكهة الانتهازية التي لا تخفى على أهل الفهم والذاكرة…

أعود لأقول، إن تصريحك الأخير بمعرض الكتاب قد استوقفني، وإن بدا، مع ذلك، أنه نابع من غيرة متأصلة فيك ومشهود لك بها على اتحاد كتاب المغرب، في حرصك التاريخي على استمراريته متوهجا، لكنه يضمر في طياته، في الوقت نفسه، سوء نية مؤسَسة، للأسف الشديد، على معطيات مغلوطة ومتهافتة. فالانتماء إلى اتحاد كتاب المغرب، يفرض علينا جميعا احترام المؤسسات والقوانين، لا تبخيسها أو الطعن في شرعيتها على هوى انفعالات شخصية وحسابات ضيقة؛ فقد كنتَ للأسف ناطقا غير رسمي بغير علم.

لن أتوقف كثيرا عند “دعوتك للدولة لكي تتدخل ضد شخصي” المتواضع، لحل مشكل الاتحاد، فهي دعوة استهجنها مجموعة من الكتاب والمثقفين والرؤساء السابقين للاتحاد، بل وكتب عنها بعضهم في الجرائد والمواقع الإلكترونية، فأنت تدرك جيدا أن دعوتك تلك تتنافى مع المبادئ التاريخية التي تأسس عليها الاتحاد، إذ كنتَ دائما في صلب معركة مبدأ استقلالية الاتحاد، والذي ظل اتحادنا وفيا له ومتمسكا به ومدافعا عنه، وهو الحرص نفسه الذي جعلنا اليوم نُعاقب من قبل وزارة الثقافة، لأننا لم ننسق وراء مقترح مشكور من السيد الوزير، لكونه يتعارض، في العمق، مع مبدأ استقلالية منظمتنا التاريخي، وبالتالي لا يمكن لهذا المكتب التنفيذي، بمن بقي فيه من أعضائه الشرعيين والأوفياء، أن يفرط في ذلك المبدأ، فالاستقلالية مصدر قوة اتحادنا الرمزية وصمام أمان شرعيته، وشخصيا سبق لي أن نبهت السيد الوزير إلى هذا المبدأ في أحد اجتماعاتي بسيادته، وأعقبت ذلك برسالة، تضمنت الموقف نفسه الذي اتخذه المكتب التنفيذي في اجتماع رسمي…

صدقني أستاذنا، لم أكن أعرف من قبل أن حجمي هو بحجم الدولة التي تؤلبها اليوم علي… ثم إن اللجوء إلى الدولة بدل الاحتكام إلى الآليات الداخلية التي تؤطر عمل الاتحاد، يشكّل انزلاقًا غير مسبوق في الخطاب، يُهدد استقلالية الاتحاد ويحوّله إلى مؤسسة تحت الوصاية، وهو أمر نرفضه بشكل قاطع، دون أن أحتاج إلى تذكيرك بأن الدولة، ممثلة في السلطة القضائية، هي كلية الحضور وليست في حاجة إلى دعوتك لها، فقد سبقت الاستجابة القانونية دعوتك لها، في انتصار أحكامها القضائية المتعاقبة لشرعية رئيس الاتحاد وشرعية المكتب التنفيذي، وليس للدعوات المغرضة الفاقدة للمصداقية.

كنت أنتظر منك أستاذنا الكريم في وقفتك المنبرية تلك، والمناسبة شرط، أن تفكر في بعض أصدقائك المقصيين من المشاركة في دورات المعرض، وأن تدعو الدولة إلى تكريمهم، هم أيضا، ضمن فقرات المعرض، ويكفي أن أذكرك بأديبين كبيرين من أصدقائك الخلص، ولا أظن أنك قد نسيتهما وسط زحمة التهافت، هما الكاتب إبراهيم السولامي والكاتب محمد عز الدين التازي، أطال الله في عمرهما، علما بأن تكريمهما هما وغيرهما من كتابنا، هو حق مشروع، فالمعرض معرض الدولة المغربية ونفقاته من المال العام، ومن حق كتابنا أن تدرج أسماؤهم ضمن “لائحة المحظوظين”، ممن يتناوبون على دورات المعرض ويتسلمون من الوزارة، مشكورة على صنيعها والتفاتتها الجميلة تجاه كتابنا، مكافآت مالية محترمة، فقط لأن لبعضهم بنت خالهم في العرس، مع أن الطبيعة لا تحب لا الفراغ ولا التكرار …

لا أنكر أن تصريحك، وإن بدا بنبرة عدائية لا علاقة لها بما عهدناه فيك من تأن وحكمة وبعد نظر، كان من المفروض أن يتضمن تساؤلا عن الأسباب الحقيقية لأزمة الاتحاد المصطنعة، وعمن تعمد تعطيل مساره وزمنه وعقد مؤتمراته، وقد تنكروا لقيم الحوار والمسؤولية، مغلبين مصالحهم الانتهازية الوهمية وتجاذباتهم الشخصية الضيقة على مصلحة الاتحاد، في تجاهل تام لـ “ميثاق الشرف” الذي كنت أنت قد أشرفت على صياغته في سبعينيات القرن الماضي، وضدا على مبادئ الاتحاد وقوانينه التي تأسس عليها. فكيف يعقل اليوم، والحالة هذه، أن يصدر عنك موقف يزكي الانزياح عن مبادئ الاتحاد، وأنت تلتمس حلول الخارج قبل مساءلة الداخل.

وكم كنا جميعا ننتظر منك أستاذنا العزيز، أن تتحرّى وتتأنى قليلا، فالدولة على علم تام بجميع التفاصيل والافتراءات والمغالطات، حيث قامت مؤسستها القضائية بدحضها في أحكامها الستة، ابتدائيا واستئنافيا واستعجاليا، وليس وفق سرديات مغلوطة ومهرولة، كما كان عليك وأنت تعتلي ذلك المنبر الذي بدا شفافا أكثر من بني البشر، ألا تنساق وراء ما يهمِسون لك به في أروقة المعرض وعبر تطبيق الواتساب المجاني، وأن تتخذ مسافة نقدية عادلة، وتتلمس الحقيقة في مظانها، كما فعل قضاؤنا النزيه في أكثر من مناسبة، في استناده إلى قوانين الاتحاد وحقائق الأمور، مستبعدا بذلك ترهات البلطجيين، إلا متى كان لك موقف من القضاء. لكنّك أستاذنا الجليل، وللأسف الشديد، آثرت المنبر على البصيرة، والمناسبة على التاريخ، فكنا ننتظر من السي محمد أن يقودنا إلى فكر نقدي متنور لا إلى باب الوصاية، الذي لن يقود اتحادنا سوى إلى انحدار مزلزل.

أما وقد اتهمتني في تصريحك المنبري، وبكثير من الاستغراب، “بالرئيس المتحايل على القانون”، فأنت تعلم أنه اتهام باطل ومغرض وخطير، لا يليق بك أستاذنا ولا بمقامك، ولا يستقيم لا من حيث النبرة والمبدأ ولا من حيث الواقع والمآل، مع ما يدخل في باب اتهامك من قذف وسب وتشهير وافتراء وتحريض وتغليط للرأي العام، ومن تحامل على القضاء وأحكامه التي يصدرها باسم صاحب الجلالة، كما أنه اتهام لا ينسجم مع التقاليد الأخلاقية للنقاش الثقافي الذي لطالما دافعت أنت عنه، فالتحايل يكون حين تُخرق القوانين ويُدار الظهر للمساطر، أما ما قمتُ به أنا، بمعية المكتب التنفيذي، فكان سلوكا منضبطا، مؤسسا على المقتضيات التنظيمية والقانونية التي تحكم الاتحاد.

إنك السي محمد باتهامك ذاك، إنما تطعن في مواقفك وفي القضاء الذي قال كلمته في مناسبات مختلفة، في انتصاره لمؤسسة الرئيس ولأجهزة الاتحاد الشرعية، وهو ما تحاملت عليه أنت بتصريحك ذاك، إلا متى كنت تجهل قوانين البلد، وقبل ذلك هل اطلعت سي محمد على قانون الاتحاد الحالي، فقد خضع للتعديل عدة مرات، وعدلته اللجنة التحضيرية لمؤتمر طنجة، وعلى مدى خمسة اجتماعات، بما ينسجم وتحول الاتحاد إلى مؤسسة.. أشك في ذلك، مادام أن البلطجيين أنفسهم لم يطلعوا عليه، وإلا لما هرولوا نحو القضاء، يجرون خلفهم جهلهم القانوني وخيبتهم المقيتة… لربما قد نسيت أستاذنا وأنت تعتلي المنبر أن “الكاميرا كانت شاعلة”، أمام نشوة التصفيق الذي كُلفت به عينة من الحاضرين، كانت مجبرة على الحضور، عدا أن بعض البلطجيين الجدد هم من سربوا شريط الفيديو الذي يوثق تصريحك، لتوريطك والإساءة إلى تاريخك ووضعك الاعتباري، وأنت كنت تظنهم مريدين…

إن ما صدر منك أستاذنا لا يخدم الاتحاد في شيء، بل يسيء إليه وإلى تاريخه، وإنني إذ أرد على تصريحك، فلست أفعل ذلك دفاعا عن شخصي وعن المكتب التنفيذي فقط، بل دفاعا عن مؤسسة عريقة يجب أن تبقى فوق الأهواء والاتهامات المجانية، فلك أن تختلف، ولكن ليس لك أن تتهم دون بينة.

أنت تعلم جيدا أن ما يعيشه الاتحاد من أزمة بنيوية داخلية، ليس وليد اليوم، فأزماته تخلقت مع جيلكم وامتدت إلى أجيال أخرى، ولست في حاجة لتذكيرك بهذا التاريخ، ولم تكن أزمات الاتحاد تحل بالاتهامات الجاهزة ولا بإقحام الدولة، بل بالحوار الديموقراطي الصريح، وبأن يتحمل الجميع مسؤوليته كاملة أمام الاتحاد والتاريخ، وإلا لاتهموك بدورك، في هذه الحالة، بانقلابك على الرئيس الأسبق الأستاذ عبد الكريم غلاب؟ لقد كنت السي محمد من رموز هذا الكيان، لذا، كان الأجدر بك أن توجه كلامك إلى من تسببوا في الأزمة وعرقلة عقد مؤتمرات الاتحاد، ومن جعلوا من الانقسام منبرًا لشرعنة الشلل، لا إلى من تحمّل مسؤولية الاستمرار في صون مؤسسة ثقافية وطنية، وأن تترك البوصلة في موقعها الصحيح، داخل الاتحاد لا خارجه، ودعنا نداوي الجروح من داخل بيتنا العتيق، فالفكر حر والقرار نسبي، واتحادنا لن يبيع قضيته ولن يسلم مشاكله لغير أهله، كي لا يزداد المشهد هشاشة والتباسًا. فما نحن بحاجة إليه، في هذا المفترق، ليس تدخّلًا خارجيًا ولا افتراء داخليا، بل شجاعة في تحري الحقيقة والجهر بها، ونزاهة في توزيع المسؤوليات، وصدقًا في الانتصار لما تبقّى من روح الاتحاد.

رسالتي إليك أستاذي محمد برادة، لا تتغيا سوى أن تضعك في صلب حقيقة ما جرى، فقد كان لزاما توضيح بعض الأمور التي ربما تكون قد فاتتك، جراء بعدك الجغرافي عن الوطن وعن نبض الواقع الثقافي المحلي وعما يجري داخل الاتحاد، فغابت عنك كثير من المعطيات والتبست عليك التفاصيل، ومتى ابتعد المرء عن الميدان، ضعف حكمه، وخفت رؤيته، ووقع، دون قصد، في محاذر الانحياز. فمن لا يملك المعطيات الدقيقة، ولا يتابع مجريات الأمور عن كثب، لا يحق له أن يصدر أحكاما عامة وطائشة، تفقد الموقف مصداقيته، وتزيد المشهد التباسا. وعليه، أرجو أن يتسع صدرك ووقتك للاطلاع على هذه التوضيحات التاريخية التي أجدها، مع ذلك، ضرورية في هذا الوقت تحديدا، وأشكرك عزيزنا على أنك منحتني فرصة ملائمة كنت أتحينها، لأحيط من خلالك بقية أعضاء الاتحاد والرأي الثقافي العام، بما يكون قد خفي عنهم أو تناسوه في زحمة الوقت المغربي، حيث تفشت موضة المغالطات والافتراءات، والتي لن تخدم اتحادنا ولا مؤتمره الاستثنائي المقبل في شيء، إلا ما تعلق بألفة استساغها البعض وسيلة للتحكم، لن يكون الاتحاد أبدا مجالا لها…

فجدير بالذكر عزيزنا سي محمد، أن المكتب التنفيذي، ومنذ نهاية ولايته مع نهاية سنة 2015، قد أدرك جيدا مدى مسؤولية مباشرة الإعداد لعقد المؤتمر الوطني التاسع عشر، بمعية اللجنة التحضيرية للمؤتمر، فتم خلال اجتماع المجلس الإداري للاتحاد بالصويرة، في مارس 2016، الإخبار بقرار عقد المؤتمر بمدينة مراكش في السنة نفسها، إثر وعود تلقاها المكتب التنفيذي من “مجلس جهة مراكش آسفي”. وفعلا، باشرنا عملية الإعداد للمؤتمر بمراكش، فوقع الاختيار على المركب التابع لوزارة الأوقاف، لنعقد فيه المؤتمر، تم ذلك بحضور السيد مندوب الوزارة، الذي رافقنا في جولتنا بمرافق ذلك المركب الفسيح والراقي، كما وقع الاختيار على أحد الفنادق المصنفة لإقامة المؤتمرين وإعاشتهم، وتكليف شركة أسفار بلوازم المؤتمر والتنقل، تم ذلك بمعية الكاتب العام لفرع مراكش الشاعر إسماعيل زويريق، وعضو الاتحاد والإطار الثقافي المسؤول بالجهة، الشاعرة والباحثة والمترجمة ثريا إقبال، فتوجنا تنسيقنا ذاك ببلاغ في الموضوع، تم فيه الإخبار بتاريخ عقد المؤتمر ومكانه.

وبعد أن أتممنا كافة الترتيبات اللازمة لعقد المؤتمر بمراكش، تبعا للوعود التي قدمت لنا، سرعان ما جاءنا رد من جهة مراكش آسفي، مفاده عدم توفر الإمكانيات المادية واللوجستية لعقد المؤتمر.

استأنفنا البحث عن داعم آخر للمؤتمر، فاستقر الرأي بين الإخوة في المكتب التنفيذي على عقده بمدينة طنجة، في سنة 2017، وذلك إثر زيارة قام بها بعض أعضاء المكتب التنفيذي (الرئيس والكاتب العام وأمينة المال)، للسيد والي جهة طنجة تطوان، الذي اجتمعنا بسيادته بمقر الولاية، فرحب باتحادنا وبمؤتمرنا الذي رأى أن عقده بطنجة يعتبر قيمة مضافة للمدينة والجهة، بمثل ما رحب بمطالبنا، فأعطى تعليماته لأحد معاونيه الذي كان حاضرا معنا لتلبية طلباتنا لعقد المؤتمر بطنجة.

ومباشرة، قمنا بزيارة فندق “سولازور” الذي سيأوي المؤتمرين وأشغال المؤتمر، وحسمنا مع مسؤوليه في جميع الترتيبات اللازمة، فأبلغنا أعضاء الاتحاد بقرار عقد المؤتمر بطنجة، وشرعنا في عملية الإعداد الأدبي واللوجستي للمؤتمر، وشاءت الأقدار مرة أخرى، أن يتصل بي أحد الموظفين بالولاية، يخبرني بأن الولاية تعتذر عن دعم المؤتمر، وإن كان من حق الولاية أن تعتذر، لأن بعض من يظهرون اليوم غيرتهم الهشة على اتحادهم ومؤتمرهم، هم من تعمدوا التشويش على المؤتمر، من خلال مراسلاتهم المغرضة والمهرولة …

ولم يتأت للمكتب التنفيذي، بمعية اللجنة التحضيرية، تنظيم المؤتمر العام التاسع عشر للاتحاد، إلا سنة 2018، بمدينة طنجة، مرة أخرى، رغم ما واكب تلك الفترة وقبلها من مستجدات وطنية وصعوبات تنظيمية، من قبيل إجراء الانتخابات الجماعية والتشريعية، وتأخر تنصيب الحكومة لمدة طويلة، وانتظار مصادقة البرلمان على الميزانية العامة، وغيرها من الإكراهات التي أخرت زمن مؤتمرنا… لكن بعد استقرار الحكومة والمجالس الترابية، قمنا بزيارات لبعض الجهات الحكومية والترابية (رئيس الحكومة، وزير الثقافة، الوزير المكلف بالجالية، رئيس مجلس طنجة تطوان الحسيمة) فأتت أكلها، جراء استجابتهم مشكورين لدعم مؤتمرنا، فتم أخيرا عقد المؤتمر بطنجة.

لكن بعض البلطجيين، الذين يطالبون اليوم بالمؤتمر، هم الذين لم يستسيغوا أبدا أن يعقد المؤتمر، فقاموا بإجهاض مؤتمر طنجة حتى قبل افتتاح أشغاله رسميا، بعد أن رتبوا خبثهم بالفندق في الليلة التي سبقت صبيحة الافتتاح، واتفقوا على نسف المؤتمر حتى قبل أن يلقي الرئيس كلمته، بدعوى أن أي تأخير في تنفيذ خطة النسف سيلقي بهم في صلب أشغال المؤتمر، وبالتالي إعطاء فرصة مواتية للعلام للترشح والفوز، لأن للعلام، كما زعموا، شعبية كبيرة وسط المؤتمرين… عدا ما أثاره عرضنا في افتتاح المؤتمر لشريط فيديو حول مقر الاتحاد الجديد، بغاية إخبار المؤتمرات والمؤتمرين بهذا المكسب العظيم لاتحادنا، من حقد وغيظ، فواجهوا هذا الإنجاز التاريخي الكبير بسلوكهم الصغير والوضيع، وللموضوع بقية… تلك كانت بعض أسباب النزول أستاذنا الجليل، ولا علاقة للأمر لا بالاتحاد ولا بتأخير عقد المؤتمر أو تهريبه ولا بالنصاب ولا بالعضويات الجديدة، مما ادعاه البلطجية لتبرير خيبتهم وسلوكهم الأرعن، فهؤلاء هم من غلبتَ أنت الإنصات لزعيمهم الورقي التقليدي، الساقط سهوا، هذا الذي يواصل ظهوره واختفاءه مثل ثعلب زفزاف…

فرغم كل الجهود الجبارة التي بذلناها في الإعداد والحصول على الدعم، ضاع المال العام سدى، بدون حسيب ولا رقيب، وإن لم يمض الوقت بعد على المحاسبة، لثقتنا في قضائنا النزيه. لقد كان مؤتمر طنجة، لو تواصلت أشغاله، سيشكل مناسبة ديموقراطية مواتية للمحاسبة والمساءلة والنقد والمكاشفة والإصلاح وتجديد الهياكل، لكن بدا أن هناك من يهاب الديموقراطية، ومن يستكثر على المكتب التنفيذي ما حققه من مكتسبات غير مسبوقة، على رأسها حصوله على مقر تاريخي للاتحاد، بتعليمات ملكية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، يتعلق الأمر ب “المركب الثقافي والرياضي (دار الفكر) لاتحاد كتاب المغرب”.

لقد بدا جليا أن البلطجيين يهابون كل المبادرات الجميلة والمشرفة، بعماء وجحود لا أخلاقي وسلوك أرعن، لا يليق حتما أن يواجهوا به هذا المكسب التاريخي الكبير وهذه الهدية الاستثنائية من جلالة ملك البلاد، ضدا على الصورة الثقافية المشرقة لبلدنا، وما ينتظر اتحادنا من تحديات، فليتحملوا مسؤوليتهم…

باركنا تلك الخطوة بعقد مؤتمر استثنائي، ولم نرفضها، استجابة لنداء الاتحاد، رغم أنه لم يكن من لزوم لها، فنحن كنا في مؤتمر قانوني بحضور قياسي للمؤتمرين، وبترتيبات لوجستية غير مسبوقة، فلم اللجوء إلى عقد مؤتمر آخر، مع إدراك البلطجيين المسبق لما لذلك من تأثير على زمن الاتحاد الضائع، وللصعوبات التي تواجهنا في التنظيم وتوفير الدعم اللازم لعقد مؤتمر آخر، خاصة وأن المكتب التنفيذي لم يتوصل بأي دعم من وزارة الثقافة منذ سنة 2016 وإلى اليوم، وتلك قصة أخرى…

ومن منطلق حسن النية دائما وتغليب مصلحة الاتحاد، وافقنا على عقد “مؤتمر استثنائي”، ليواجه المكتب التنفيذي، مرة أخرى، ومعه “اللجنة المنتدبة” بصعوبات عقد المؤتمر، جراء بعض الظروف التي مرت بها بلادنا، والتي حالت دون عقد المؤتمر في وقته، على رأسها جائحة كورونا، التي ساهمت في شل حركة الأنشطة الثقافية وإرجاء تنظيم المؤتمرات، وغيرها.

ورغم كل تلك الظروف المعاكسة، فإن أعضاء شرفاء من المكتب التنفيذي، بمعية أعضاء من اللجنة المنتدبة من مؤتمر طنجة، لم يتوانوا قط عن مواصلة الإعداد للمؤتمر الاستثنائي، فباشروا عقد اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر، رغم تفشي جائحة كورونا ورغم مواصلة جناح من البلطجيين لمختلف أشكال التشويش والعرقلة، نجم عن ذلك انزوائي لفترة، تاركا المجال لهؤلاء الكلمنجية لإظهار “حنة أيديهم” وعقد المؤتمر وفق ما يخططون له، وبكل ما أوتوه من احتيال وتآمر، فكان انزوائي فرصة مواتية كشفت سوء نية البلطجية وأهدافهم الخفية، فقد استجبت لطلباتهم ومكنتهم من مقر الاتحاد وخاتم المنظمة ومن كل ما كانوا يطلبونه، والأستاذ مصطفى القباج شاهد، وأنت نفسك عزيزنا سي محمد كانوا قد احتالوا عليك، فحضرت مكرها أحد اجتماعاتهم بمقر الاتحاد…

وهنا أتساءل معك السي محمد، ما الذي تغير، لا شيء سوى ما كانت تعرفه اجتماعات البلطجية من شجار وعراك وتسابق فقط على منصب الرئاسة وليس على عقد المؤتمر، هذا الأخير ترك فريدا تذروه رياح حي حسان، فهم لم يكونوا يجتمعون لعقد المؤتمر الاستثنائي، كما ظننت أنت والبعض، بل لتعيين الرئيس الجديد من خارج الشرعية وضدا على قوانين الاتحاد، فحصل أن ترشح وقتها للمنصب، وعلى التوالي، أزيد من ستة رؤساء وهميين، في مخالفة خطيرة لقانوني الاتحاد ولمسطرة الترشح. فأين هو المؤتمر الذي وعدوك به ووعدوا به بقية أعضاء الاتحاد؟

من سوء حظك عزيزنا سي محمد أنك حضرت أحد ما سموه جورا وبهتانا باجتماع اللجنة التحضيرية الوهمية وغير الشرعية، قبل أن تتبخر هذه اللجنة ويتفكك أعضاؤها الوهميون، أمام حكم القضاء وسيف الشرعية، ما جعلك وقتها تفضل مغادرة البلد، ولم تمكنهم من شرف حضور بقية اجتماعاتهم الصدامية والمشبوهة، وقد أدركت أنت لحظتها مدى تفاهة البلطجية ورداءتهم، وهم لا يشرفون بذلك لا الاتحاد ولا البلاد ولا العباد ولا حتى أنفسهم. لقد آثرت أن تنصرف إلى حال سبيلك وتعود إلى زمنك الفرنسي، وقد أدركت حجم الخيبة، خيبتك أم خيبتهم، أقول سيان…

وأمام غيهم، وبعد أن أمهلناهم زمنا غير يسير، لم “تحمر حنة أيديهم”، بل اسودت وجوههم أمام حقيقتهم، فكان رد السيد عامل الرباط، مشكورا، حاسما، إبان الاجتماع الذي جمعهم بسيادته، وهم ثلة من المهرولين ظنت نفسها “وازنة” و”مؤثرة”، فحسب الوثائق الرسمية المتوفرة أمامه، فإن رئيس الاتحاد، هو عبد الرحيم العلام. كان توضيحا قانونيا حاسما، جعل البلطجية يهرولون نحو القضاء، في سابقة من نوعها في تاريخ الاتحاد، وقد اختاروا لهذه المهمة خروف فداء طيع هو السيد مصطفى القباج، مضحيا بتاريخه الرمزي في الاتحاد، لكن سرعان ما أتى الرد حاسما من المحكمة، داحضا بذلك افتراءات متزعمي الانقلاب على الشرعية، فعادوا إلى جحورهم، تسبقهم الخيبة، فظلوا يترقبون مناسبات معرض الكتاب وغيرها، لتصريف مزيد من الحقد والافتراءات والخبث والمغالطات…

وهنا، كان لابد من الظهور مرة أخرى، أمام تدهور الوضع بمقر الاتحاد، فعدت مُكرها فقط إلى مهمتي ومسؤوليتي، لا راغبا في مواصلة تولي منصب عابر، كما يدعي المغرضون، عدت، بمعية إخوتي ممن واصلوا النهوض بمسؤولياتهم في المكتب التنفيذي بكل تفان ووفاء، لنحمي الاتحاد من هؤلاء البلطجية، ولنصون مسؤولياتنا التي قلدنا بها الأعضاء في مؤتمر الرباط، من منطلق التزامنا الفكري والأخلاقي تجاه منظمتنا، فمن يصون المؤسسة لا يقوضها، ومن يحمل هم استمراريتها لا يفرح بتعطيلها، ومن ينتمي إلى مدرسة النقد والمساءلة لا يمكن أن يكون تلميذا في صف المؤامرة. أقول، عدنا قبل أن يستفحل الوضع إلى ما لا تحمد عقباه، وتقع الجريمة بمقر الاتحاد لا قدر الله… وهنا أسألهم أمامك السي محمد، لماذا لم يقوموا بعقد المؤتمر وقتها وقد كانوا أحرارا طلقاء، ومر على مكوثهم بمقر الاتحاد زمن غير يسير، وكان هذا البعبع الذي يخيفهم المدعو العلام، منزويا، هناك بعيدا، وقد تركهم في غيهم يعمهون.

لم يتوصل المكتب التنفيذي، بمعية اللجنة المنتدبة، إلى توفير شروط عقد المؤتمر الاستثنائي إلا في يناير 2023، بمدينة العيون، بدعم من وزارة الثقافة وولاية جهة العيون الساقية الحمراء. وهو القرار الذي اتخذته اللجنة التحضيرية المختلطة، في اجتماعها بتاريخ 19 مارس 2022، بالرباط، بحضور ومشاركة بعض المنقلبين على الشرعية أنفسهم، حصل ذلك قبل أن يتنكر بعض هؤلاء لمسؤولياتهم ولواجباتهم تجاه اتحادهم ومؤتمرهم.

وفي الوقت الذي تم فيه توفير جميع الشروط والظروف لسفر المؤتمرين إلى العيون للمشاركة في المؤتمر الاستثنائي، بما في ذلك توفير تذاكر السفر بالطائرة والإيواء والتغذية وحفلات الاستقبال والمنشورات، نفاجأ في المكتب التنفيذي بتعليق عقد المؤتمر الاستثنائي بالعيون، دون تحديد أسباب ذلك من قبل الجهتين الداعمتين، لكننا نحن في المكتب التنفيذي أدركناها…

ورغم كل هذه الصعوبات والدعاوى والعراقيل المصطنعة والتشويش المتعمد، فقد واصل المكتب التنفيذي البحث عن إمكانيات عقد المؤتمر الاستثنائي المقبل، فبادر إلى مراسلة وزارة الشباب والثقافة والتواصل ورئاسة الحكومة، في شأن طلب دعم عقد المؤتمر الاستثنائي، رغم استمرار المشوشين في ممارساتهم المقيتة للتأثير على الجهات الداعمة المحتملة، من أجل جعلها تغض النظر عن تقديم الدعم لعقد المؤتمر الاستثنائي المقبل، فلجأوا إلى القضاء مرة أخرى، غايتهم في ذلك إرجاء المساعي لعقد المؤتمر، والتحكم في الاتحاد أو الإجهاز على مكتسباته، وعلى رأسها “المركب الثقافي والرياضي”، وهم بذلك إنما يواصلون تعطيل زمن الاتحاد ويتحايلون على الشرعية وعلى أنفسهم وخيباتهم.

أستاذنا العزيز،

لن أحدثك عن حصيلة الاتحاد على مستوى الأنشطة الثقافية، فقد سبق لي أن أرسلت إليك “محفظة المؤتمر التاسع عشر “، وبها جميع الوثائق والإصدارات الموازية التي عرضناها على أنظار مؤتمر طنجة، بما تضمنته من منجزات المكتب التنفيذي وفروع الاتحاد، لربما تكون قد استنتجت بعض قيمتها وحجمها وأهميتها، لكونها حصيلة مشرفة، وأستسمحك، السي محمد، في أن أذكرك ومعك الرأي الثقافي العام الوطني، والمناسبة شرط، بجانب منها فقط، دون التفاصيل، فالبلطجية تزعجهم النتائج وتستفزهم المكتسبات وتخيفهم الديموقراطية.

ويكفي، هنا، أن أذكرك بأهم مكسب تاريخي حققه الاتحاد في الفترة الأخيرة؛ يتعلق الأمر بذلك المسعى التاريخي لدى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث تكرم جلالته وأعطى تعليماته السامية لتشييد مركب ثقافي كبير لاتحاد كتاب المغرب، ولأول مرة في تاريخ الاتحاد، اختار له المكتب التنفيذي مكان تشييده وتسمية تاريخية، هي “دار الفكر”، بتصاميمه الهندسية البديعة، والتي تساير روح العصر وتُشرف عاصمة الثقافة المغربية، وقد تم الانتهاء من تشييد المركب وتجهيزه منذ سنوات، وإذا رغبت في زيارته فالمكتب التنفيذي رهن إشارتك…

أما الحضور الثقافي الوطني والعربي والدولي للاتحاد، فمتعدد ومتنوع، بما يعكس حجم حضوره الكبير والمضيء والمكثف، سواء على مستوى تفاعله مع قطاعات حكومية ومؤسسات دستورية وعمومية وحزبية وترابية، أو عبر تصوراته ومواقفه التي عبر عنها في مناسبات عديدة، وأوصلها إلى من يهمه أمر الثقافة الوطنية، سواء بطلب من جهات ومؤسسات وقطاعات وطنية (رئاسة الحكومة، البرلمان، وزارة الثقافة، وزارة التربية الوطنية، وزارة الشباب والرياضة، المجلس الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي الجديد …)، أو بمبادرة من المكتب التنفيذي، وهي حول قضايا وطنية مختلفة، ثقافية وتربوية وتنموية وقانونية وبيئية وإصلاحية…

ويكفي أن أختار من بين أهم أنشطتنا الكبرى، تنظيم المكتب التنفيذي ل “المناظرة الوطنية حول الثقافة المغربية”، سنة 2015 بمدينة طنجة، مع ما أسفرت عنه ورشاتها الثلاث عشرة من نتائج وتوصيات مهمة، أصدرناها في مجلد أنيق، أوصلناه إلى مختلف الجهات المعنية. وأذكرك سي محمد أنك قلت لي وقتها: إن أنتم تمكنتم من تنظيم المناظرة، فيكفيكم هذا شرفا …

فضلا عن ذلك، كان لاتحادنا حضور وازن ومؤثر ومشرف، إقليميا وعربيا ودوليا، فقمنا بإحياء “اتحاد الكتاب المغاربيين”، سنة 2015، بحضور رؤساء اتحادات الكتاب المغاربية، واستضاف اتحادنا بطنجة اجتماع “المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب” وفعالياته الموازية، من بينها ندوة “تجديد الخطاب الديني”، في السنة نفسها، ومؤتمر “الاتحاد العام لكتاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية” وأنشطته الموازية، من بينها ندوة حول القدس، بالرباط سنة 2018، انتخب فيه اتحاد كتاب المغرب نائبا أولا للأمين العام، كما هي الحال لانتخابه نائبا أول للأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، في مؤتمره العام بأبو ظبي، سنة 2016.

كما تميزت فترة المكتب التنفيذي الحالي، من جهة، بإطلاق الاتحاد لمجموعة من النداءات من مناطق ومدن مغربية مختلفة (من العيون وكلميم والصويرة وأزيلال ووجدة وطنجة)، وهي حول الثقافة والإبداع والتنمية وفتح الحدود بين الجزائر والمغرب، فيما دعت نداءات أخرى الحكومة والأحزاب الوطنية والمجالس الترابية، إلى الاهتمام بالبعد الثقافي وإدراجه في برامجها السياسية والثقافية والترابية، فيما تميزت من جهة أخرى بتزايد منشورات الاتحاد وبشكل غير مسبوق، قاربت المائتي مطبوع، بين كتاب ومجلة، وبتطوير مجلة “آفاق”، شكلا ومضمونا، فتعددت أعدادها، حول ملفات كبرى، من قبيل: الحكم الذاتي، والقصة والرواية، وثقافة الصحراء، والمسرح، والسينما، والتشكيل، والثقافة الأمازيغية، والثقافة الحسانية..، وقد أرفقنا أعداد مجلة “آفاق”، في سابقة من نوعها في تاريخ الاتحاد وغيره من المؤسسات، بما فيها وزارة الثقافة نفسها، ب “كتاب العدد” يوزع مجانا، وهي كتب حول مواضيع الملفات نفسها التي استضافتها “آفاق”…

هذا، إلى جانب توسيع المكتب التنفيذي لانفتاح الاتحاد على محيطه العربي والدولي، عبر مزيد من أشكال حركيته الدبلوماسية، فوصل الاتحاد إلى الصين وكوريا الجنوبية وفرنسا وروسيا والتشيك ونيجيريا، وغيرها من البلدان العربية والأجنبية، ما ساهم في دعم حركة الدبلوماسية الثقافية الموازية لبلادنا واتحادنا، مساهمين في إسماع العالم صوت قضيتنا الوطنية العادلة وصوت اتحادنا…

ومن بين أهم ما يُسأل عنه عادة، مواقف الاتحاد تجاه القضايا الوطنية والعربية والدولية، ولن أذكرك سي محمد بما حققه اتحادنا في هذا الجانب من حضور قوي ومشرف لمنظمتنا ولبلدنا، ويكفي أن أحيلك على “كتاب مواقف الاتحاد وبياناته”، فهو بين يديك في محفظة المؤتمر، وقد قمنا بتحيينه وإصداره في طبعة جديدة مزيدة، بمناسبة “المؤتمر الاستثنائي بالعيون”، وذلك حتى تقف عند طبيعة حضور الاتحاد ومواكبته لمختلف التحولات والمستجدات، في أبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية والنضالية والتحررية والتربوية والبيئية والتنموية والشعبية والمصيرية، التي عرفتها بلادنا والعالم من حولها، والتي انخرط فيها اتحادنا بكل مسؤولية ودينامية وفعالية، وعلى رأسها قضيتنا الوطنية الأولى تليها القضية الفلسطينية…

موازاة مع ذلك، وغيره، حرص المكتب التنفيذي، في بادرة أصلية وغير مسبوقة، على وضع أرضية فكرية وعملية لتأسيس “جبهة ثقافية وطنية لنصرة قضيتنا الوطنية”، بالتنسيق مع جمعيات ثقافية وإعلامية وطنية، من داخل المغرب وخارجه، كنا سنعرضها على أنظار المؤتمرين بمؤتمر العيون، للمصادقة عليها، والشروع في تنفيذها… ولا بأس من وضعك في صورة الأدوار الطلائعية للمكتب التنفيذي، على مستوى إسهامه في إشاعة الثقافة والفكر والإبداع الأدبي المغربي، عربيا ودوليا، فقد استضافت مجلة “الكاتب العربي” التي يصدرها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ملفا خاصا عن “المشهد الأدبي في المغرب” وآخر متميزا عن “الثقافة المغربية”، فيما استضافت مجلة “أخبار الأدب” المصرية ملفا ثالثا عن “الثقافة المغربية”، وهو ما جعل اتحادنا محط تنويه وتكريم من لدن مجموعة من الإطارات الثقافية والإعلامية الأجنبية…

ولم يكن الوضع الصحي لكتابنا المغاربة بمنأى عن اهتمامات المكتب التنفيذي، الذي ما فتئ يسعى لدى جلالة الملك مشكورا، فحصل على الرعاية الملكية لفائدة بعض كتابنا، في انحدارهم من أجيال مختلفة، وذلك جراء ما كانوا يواجهونه من أعطاب صحية طارئة، وقد توسعت اللائحة بعد مؤتمر طنجة…

قد تكون لاحظت سي محمد، أنني أتحدث كمكتب تنفيذي وكاتحاد، وليس بصفتي رئيسا، كما كان يستطيب بعضهم ذلك، في زمن مضى، وبتعابير جاهزة “عهد فلان وولاية علان”، فالفترة هي فترة المكتب التنفيذي وأجهزة الاتحاد الأخرى المنتخبة شرعيا وقانونيا، أما المناصب الوهمية، فهي فقط للتسيير، وليست ذات “نزعة ديكتاتورية”، حيث كان الرئيس هو الآمر الناهي، هو وحده من أنجز وهو وحده من مر من هنا، أما نحن، فقد تعودنا فقط على الاشتغال وأداء الرسالة، أما التبرير فتركناه للبلطجية لكي يواصلوا عبره عماءهم ويباشروا عملياتهم التدميرية الرخيصة تجاه منظمتنا…

دون أن أحدثك عن فتوحات المكتب التنفيذي داخل الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، في أبو ظبي ودبي والشارقة وانواكشوط، وغيرها، سواء خلال مؤتمره العام أو أثناء اجتماعات مكتبه الدائم، حيث كانت مواقفنا حاسمة، رغم كل “التنسيق المخابراتي المباشر والوضيع” الذي كان قائما ولايزال بين البلطجية وبعض الأمناء العامين للاتحاد العام، وبين أيدينا في المكتب التنفيذي نماذج من مراسلات البلطجية السرية المغرضة، سيأتي حتما سياق توظيفها… وأمام قوة مواقف اتحادنا المبدئية، فقد سبق لـ “قناة الجزيرة” القطرية، في إحدى المناسبات، أن تلقفت أحد بياناتنا الجريئة ومررته في نشرات أخبارها، بصيغته الورقية المنشورة، وكان حول دفاعنا المستميث، وبكل جرأة وشموخ، عن لم الشمل بين اتحادات الكتاب العربية، في استنكارنا ورفضنا لبعض القرارات الخطيرة والمتهافتة للأمين العام السابق، عدا أن رئيس اتحاد كتاب المغرب كان ضيفا على “قناة العربي” القطرية وبدعوة كريمة منها، مدافعا عن صورة اتحادنا ومواقفه، ومنتقدا ما وصل إليه الاتحاد العام من انحدار وسقوط، في الولايتين الأخيرتين…

هل أواصل تنويرك سي محمد، فهذا فقط غيض من فيض، فالحصيلة كبيرة وثقيلة ومشرفة، وهي موثقة أمامك بكل عناية وشفافية، في جانبها الأدبي والمالي، إلى حدود مؤتمر طنجة، في مجلد أنيق يسر الناظرين، فقط تستلزم عينا بصيرة. أما إذا فكرنا في إجراء المقارنات، فلن تستقيم المعادلة ولن تتساوى الحصيلة، بين زمن ولى، هيمنت فيه الإيديولوجية الحزبية الضيقة، وراهن ممتد، جعلنا نحن فيه الاتحاد، منذ مؤتمر الرباط، يتنفس هواء الاستقلالية والحرية، بعيدا عن سطوة الحزب وتحكم البلطجية.

وأخيرا، فقد حاولت أن أستبعد، ما أمكن، أن تكون تصريحاتك تدخل ضمن ملامح “صراع الأجيال”، ليس بالمعنى البيولوجي أو الزمني فقط، بل من حيث هو اختلاف في الرؤية والتصور حول دور المثقف وموقع المؤسسة، وحتى حول من له الحق الرمزي في تمثيل الذاكرة الجماعية للاتحاد، خارج الاحتكار الرمزي للشرعية الثقافية، وخارج من هو الأجدر بتوصيف أزمة الاتحاد ومعالجتها، دون أن نلغي نحن في المكتب التنفيذي ذلك الامتداد المشرف والضروري لدور الحكماء والعقلاء والغيورين…

ولك واسع النظر أستاذنا العزيز…

الرباط، في 18 ماي 2025

المخلص د. عبد الرحيم العلام

رئيس اتحاد كتاب المغرب

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button