
ينتشر مرض الكآبة في المجتمع، وأغلب المرضى لا يتعالجون بل ولا يدرون بمرضهم في الأغلب، وحسب الإحصاءات شبه الرسمية فإن هناك 5 ملايين مصاب بأمراض نفسية على رأسها الكآبة، وعدد الذين يزورون الأطباء لا يتعدى 200 ألف، فضلا عن كون عدد الأطباء المختصين لا يتجاوز 490 طبيبا، ومما يزيد المشكل استفحالا أن الطب النفسي يعتمد على الخلاصات الغربية أو الأوروبية وهي تختلف جذريا عن خلفيات مجتمعنا اقتصاديا وعقائديا وعادات وسلوك، مما يجعل كثير من المرضى لا يتعالجون لأن الخلفيات الأوروبية ليست خلفيات مجتمعنا ولا يمكن أن تعالج مريضا مسلما بعقيدة مسيحية، فضلا عن الخلفيات الجغرافية والاجتماعية والتفاوتات والاختلاف الثقافي.
وبالتالي فأغلب المكتئبين يجهلون مرضهم أو أمام الحاجيات الاجتماعية ليس لهم حق الرفاه الطبي، فضلا عن اعتقاد البعض أو أن الأغلب يرون أن الذهاب عند الطبيب في هذا الصدد، يعني كونه مجنون أو أحمق فهم يتحاشون مرضهم بتجاهله أو لانعدام الوعي أو القدرة المالية.
ومن أهم الأسباب المرضية التي تؤدي إلى الكآبة وغيرها من الأمراض النفسية: التشكي فهناك ظاهرة مؤسفة هي كلما جالست شخصا إلا ويتشكى من الآخر بل حتى من الأشياء فلا ينفك يشتكي من صديقه والذي دائما معه وبعد التشكي منه ومن عائلته ومن أولاده ومن عمله ومن الطريق ومن الزحام ومن الجدار الذي صدمه، ومن القطار الذي ذهب لأنه تأخر هو عن الوقت، ومن الدراجة التي أسقطته، والحَجَرة التي عثرته، والحذاء الضيق، فكل العالم ظلمه الناس والأشياء الجامدة والمتحركة وهو لم يرتكب أي ذنب فالذنب على الأخرين والأشياء، والتشكي أحد الأمراض المزمنة في المجتمع التي يساهم فيها المستمع أو المستمعون ولا ينتقدون بل يؤيدون أكثر الأحيان المشتكي ولا ينبهونه إلى خطأه في مجاملة أو مجاملات يصبح الساكت معها شيطان أخرس، فضلا عن النفاق الاجتماعي بتأييده في شكواه الدائمة من كل شيء ومشاركته.
المسألة الثانية هي المقاربة الاجتماعية أو الحسد بصريح العبارة فلا يكتفي أن يحمد الله بما عنده أو يعمل بأخلاقية لتحسين وضعه بل يبدأ لماذا هذا عنده سيارة وذاك عنده منزل وووو؟، وتؤدي هذه المقاربة إلى مزيد من الغل خاصة أن المقاربة أو الحسد مرض داخلي يؤدي إلى انفجار ظاهري في تصرفات غبية أو نميمة غير مفهومة ضد الشخص الذي يملك أو يتوفر على شيء ما. وكل هذه العوامل تؤدي إلى الكآبة التي يمكن الهروب منها بترك التشكي وترك الحسد وهجران الشخص الذي يدفعك إليهما بكلام أو طرق ما أو علاقة اجتماعية، مما يؤدي لنشر الطاقة السلبية فما إن تجالس المشتكي أو المريض بالمقاربة فينتقل المرض إليك وتذهب إلى منزلك أو عملك ناكدا بدون أن تدري السبب، والسبب انتقال الطاقة السلبية إليك أو إلى الآخرين، نعم تلعب الظروف الاجتماعية والجهل وانتشار القيم الاستهلاكية والبطالة وعدم القدرة المالية دورا، لكن ما يلاحظ أن أغلب المرضى في هذا الصدد ليسوا من هذه الفئة، فالمواظبين على المسجد والصلاة لا يصابون بهذه الامراض عادة، لأن في الإيمان دواء ناجع والإحصاءات أظهرت أن 39 % من المغاربة راجعوا أو استفسروا عن حالتهم النفسية، وأن حوالي 8% يشترون أدوية الكآبة باستمرار وهي من أعلى النسب.
ويرى يونغ –1875/ 1961– أن العلاج بالجوانب الروحية هو أفضل من أي علاج آخر كالأدوية مثلا، أو النظر إلى المريض نظرة جسدية كما يرى فروويد -1856 / 1939– إذ الإنسان كائن روحي أساسا قبل أن يتغذى بمتطلبات الجسد، فيمكن تجاوز متطلبات الجسد لكن الجانب الروحي عنصر جوهري في تجاوز ومكافحة هذه الأمراض … والله أعلم.
*بـاحـث